الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ٧٧
قال أهل المدينة نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا فعمدوا إلى موسى فجاءه جبريل فقال قل لهم ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها * وأخرج سفيان بن عيينة عن عكرمة قال كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا لكل سبط منهم باب يدخلون منه ويخرجون فوجد قتيل على باب سبط من الأسباط قتل على باب سبط وجر إلى باب سبط آخر فاختصم فيه أهل السبطين فقال هؤلاء أنتم قتلتم هذا وقال الآخرون بل أنتم قتلتموه ثم جررتموه إلينا فاختصموا إلى موسى فقال إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة الآية قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك قال فذهبوا يطلبونها فكأنها تعذرت عليهم فرجعوا إلى موسى فقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إلى وانا إن شاء الله لمهتدون ولولا أنهم قالوا إن شاء الله ما وجدوها قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ألا وانما كانت البقرة يومئذ بثلاثة دنانير ولو أنهم أخذوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم فذهبوا يطلبونها فيجدون هذه الصفة عند رجل فقالوا تبيعنا هذه البقرة قال أبيعها قالوا بكم تبيعها قال بمائة دينار فقالوا انها بقرة بثلاثة دنانير فأبوا أن يأخذوها فرجعوا إلى موسى فقالوا وجدناها عند رجل فقال لا أنقصكم من مائة دينار وانها بقرة بثلاثة دنانير قال هو أعلم هو صاحبها ان شاء باع وان شاء لم يبع فرجعوا إلى الرجل فقالوا قد أخذناها بمائة دينار فقال لا أنقصها عن مائتي دينار فقالوا سبحان الله قد بعتنا بمائة دينار ورضيت فقد أخذناها قال ليس أنقصها من مائتي دينار فتركوها ورجعوا إلى موسى فقالوا له قد أعطاناها بمائة دينار فلما رجعنا إليه قال لا أنقصها من مائتي دينار قال هو أعلم ان شاء باعها وان شاء لم يبعها فعادوا إليه فقالوا قد أخذناها بمائتي دينار فقال لا أنقصها من أربعمائة دينار قالوا قد كنت أعطيتناها بمائتي دينار فقد أخذناها فقال ليس أنقصها من أربعمائة دينار فتركوها وعادوا إلى موسى فقالوا قد أعطيناه مائتي دينار فأبى أن يأخذها وقال لا أنقصها من أربعمائة دينار فقال هو أعلم هو صاحبها ان شاء باع وان شاء لم يبع فرجعوا إليه فقالوا قد أخذناها بأربعمائة دينار فقال لا أنقصها من ثمانمائة دينار فلم يزالوا يعودون إلى موسى ويعودون عليه فكلما عادوا إليه أضعف عليهم الثمن حتى قال ليس أبيعها الا بملء مسكها فأخذوها فذبحوها فقال اضربوه ببعضها فضربوه بفخذها فعاش فقال قتلني فلان فإذا هو رجل كان له عم وكان لعمه مال كثير وكان له ابنة فقال اقتل عمى هذا وارث ماله وأتزوج ابنته فقتل عمه فلم يرث شيئا ولم يورث قاتل منذ ذلك شيئا قال موسى ان لهذه البقرة لشأنا ادعو إلى صاحبها فدعوه فقال أخبرني عن هذه البقرة وعن شأنها قال نعم كنت رجلا أبيع في السوق وأشتري فسامني رجل ببضاعة عندي فبعته إياها وكنت قد أشرفت منها على فضل كبير فذهبت لآتيه بما قد بعته فوجدت المفتاح تحت رأس والدتي فكرهت أن أوقظها من نومها ورجعت إلى الرجل فقلت ليس بيني وبينك بيع فذهب ثم رجعت فنتجت لي هذه البقرة فألقى الله عليها منى محبة فلم يكن عندي شئ أحب إلى منها فقيل له انما أصبت هذا ببر والدتك * قوله تعالى (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) الآيات * أخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزأهم ذلك أو لأجزأت عنهم * وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن بني إسرائيل قالوا وانا إن شاء الله لمهتدون ما أعطوا أبدا ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم * واخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو أن بني إسرائيل أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ولكنهم شددوا ولولا أنهم قالوا انا إن شاء الله لمهتدون ما وجدوها * وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم ولو لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد * وأخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا ان نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول انما أمر القوم بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم والذي نفس محمد بيده لو لم يستثنوا ما بينت لهم * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال لو أخذوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم * وأخرج ابن جرير وابن المنذر
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست