الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ١٧٣
فكانوا إذا قتل من الكثير عبد قالوا لا نقتل به الا حرا وإذا قتلت منهم امرأة قالوا لا نقتل بها إلا رجلا فأنزل الله الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى * وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وأبو القاسم الزجاجي في أماليه والبيهقي في سننه عن قتادة في الآية قال كان أهل الجاهلية فيهم بغى وطاعة للشيطان فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدد فقتل لهم عبدا عبد قوم آخرين فقالوا لن نقتل به الا حرا تعززا وتفضلا على غيرهم في أنفسهم وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأة قالوا لن نقتل بها الا رجلا فأنزل الله هذه الآية يخبرهم ان العبد بالعبد إلى آخر الآية نهاهم عن البغي ثم أنزل سورة المائدة فقال وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس الآية * وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى قال نسختها وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس الآية * قوله تعالى (فمن عفى له) الآية * أخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس فمن عفى له قال هو العمد يرضى أهله بالدية فاتباع بالمعروف أمر به الطالب وأداء إليه باحسان قال يؤدى المطلوب باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة مما كان على بني إسرائيل * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فمن عفى له من أخيه شئ بعد أخذ الدية بعد استحقاق الدم وذلك العفو فاتباع بالمعروف يقول فعلى الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية وأداء إليه باحسان من القاتل في غير ضرر ولا فعلة المدافعة ذلك تخفيف من ربكم ورحمة يقول رفق * وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والبيهقي عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى إلى قوله فمن عفى له من أخيه شئ فالعفو ان تقبل الدية في العمد فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان يتبع الطالب بالمعروف ويؤدى إليه المطلوب باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة مما كتب على من كان قبلكم فمن اعتدى بعد ذلك قتل بعد قبول الدية فله عذاب أليم * وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال كانت بنو إسرائيل إذا قتل فبهم القتيل عمدا لا يحل لهم الا القود وأحل الله الدية لهذه الأمة فامر هذا ان يتبع بمعروف وأمر هذا ان يؤدى باحسان ذلك تخفيف من ربكم * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال كان على بني إسرائيل القصاص في القتلى ليس بينهم دية في نفس ولا جرح وذلك قول الله وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس الآية فخفف الله عن أمة محمد فجعل عليهم الدية في النفس وفي الجراحة وهو قوله ذلك تخفيف من ربكم ورحمة * وأخرج ابن جرير والزجاجي في أماليه عن قتادة في قوله ورحمة قال هي رحمة رحم الله بها هذه الأمة أطعمهم الدية وأحلها لهم ولم تحل لأحد قبلهم فكان في أهل التوراة انما هو القصاص أو العفو ليس بينهما أرش فكان أهل الإنجيل انما هو عفو أمروا به وجعل الله لهذه الأمة القتل والعفو والدية ان شاؤوا أحلها لهم ولم يكن لامة قبلهم * وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن شريح الخزاعي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أصيب بقتل أو جرح فإنه يختار إحدى ثلاث اما أن يقتص واما ان يعفو واما أن يأخذ الدية فان أراد رابعة فخذوا على يديه ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها أبدا * وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه فمن اعتدى بعد ذلك بأن قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم قال فعليه القتل لا يقبل منه الدية وذكر لنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية * وأخرج سمويه في فوائده عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية * وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم قال كان الرجل في الجاهلية إذا قتل قتيلا ينضم إلى قومه فيجئ قومه فيصالحون عنه بالدية فيخرج الفار وقد أمن في نفسه فيقتله ويرمى إليه بالدية فذلك الاعتداء * وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة في رجل قتل بعد أخد الدية قال يقتل اما سمعت الله يقول فله عذاب أليم * قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) الآية * أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ولكم في القصاص حياة يعنى نكالا وعظة إذا ذكره الظالم المعتدى كف عن القتل * وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال جعل الله هذا القصاص حياة عبرة لأولي الألباب وفيه عظة لأهل الجهل والسفه كم من رجل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست