الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ١٧٦
فاما أحوال الصلاة فان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله أنزل عليه قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها الآية فوجهه الله إلى مكة هذا حول قال وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نفسوا أو كادوا ينفسون ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد الله ابن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى رأيت فيما يرى النائم ولو قلت انى لم أكن نائما لصدقت انى بينا انا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى مثنى حتى فرغ الاذان ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قال غير أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها بلالا فليؤذن بها فكان بلال أول من أذن بها قال وجاء عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله انه قد طاف بي مثل الذمي طاف به غير أنه سبقني فهذان حولان قال وكانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فكان الرجل يسر إلى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليهما ثم يدخل مع القوم في صلاتهم فجاء معاذ فقال لا أجده على حال ابدا الا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فثبت معه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام فقضى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا فهذه ثلاثة أحوال وأما أحوال الصيام فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ثم إن الله فرض عليه الصيام وأنزل الله يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه ثم إن الله انزل الآية الأخرى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام فهذان حولان قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى إذا أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا فقال ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا قال يا رسول الله انى عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما قال وكان عمر قد أصاب النساء بعدما نام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى قوله ثم أتموا الصيام إلى الليل * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله كما كتب على الذين من قبلكم يعنى بذلك أهل الكتاب * واخرج ابن جرير عن الشعبي قال إن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فكانوا ربما صاموه في القيظ فحولوه إلى الفصل وضاعفوه حتى صار إلى خمسين يوما فذلك قوله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم * واخرج ابن جرير عن السدى في قوله كما كتب على الذين من قبلكم قال الذين من قبلنا هم النصارى كتب عليهم رمضان وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا في شهر رمضان فاشتد على النصارى صيام رمضان فاجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا فلم تزل المسلمون يصنعون كما تصنع النصارى حتى كان من أمر أبى قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى قبيل طلوع الفجر * وأخرج ابن حنظلة في تاريخه والنحاس في ناسخه والطبراني عن معقل بن حنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض ملكهم فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرا ثم كان آخر فاكل لحما فأوجع فوه فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن سبعة ثم كان عليهم ملك آخر فقال ندع هذه الثلاثة أيام شيئا ان نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوما * وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم قال كتب عليهم الصيام من العتمة إلى العنمة * واخرج ابن جرير عن مجاهد كما كتب على الذين من قبلكم قال أهل الكتاب * واخرج ابن جرير عن السدى في قوله لعلكم تتقون من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله أياما
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست