منزلتهم بقوله: (و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة)، ومعنى الفوقية هنا في الدرجة والقدر، ويحتمل أن يريد أن نعيم المتقين في الآخرة فوق نعيم هؤلاء الآن. قلت: وحكى الداوودي عن قتادة: فوقهم يوم القيامة. قال: فوقهم في الجنة (1). انتهى.
ومهما ذكرت الداوودي في هذا " المختصر "، فإنما أريد أحمد بن نصر الفقيه المالكي، ومن تفسيره أنا أنقل. انتهى.
فإن تشوفت نفسك أيها الأخ إلى هذه الفوقية، ونيل هذه الدرجة العلية، فارفض دنياك الدنية، وازهد فيها بالكلية، لتسلم من كل آفة وبلية، واقتد في ذلك بخير البرية. قال عياض في " شفاه " (2): فانظر - رحمك الله - سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخلقه في المال، تجده قد أوتي خزائن الأرض [و مفاتيح البلاد، و أحلت له الغنائم (3)، و لم تحل لنبي قبله، و فتح عليه في حياته صلى الله عليه و آله و سلم بلاد الحجاز و اليمن، و جميع جزيرة العرب، و ما دانى ذلك من الشام و العراق] (4)، و جبيت إليه الأخماس، [و صدقاتها ما لا يجبى (5) للملوك إلا بعضه] (6)، وهادته جماعة من الملوك، فما استأثر بشئ من ذلك، ولا أمسك درهما منه، بل صرفه مصارفه وأغنى به غيره، وقوى به المسلمين، ومات صلى الله عليه وسلم، ودرعه مرهونة في نفقة عياله، واقتصر من نفقته وملبسه على ما تدعوه ضرورته إليه، وزهد فيما سواه، فكان - عليه