فقال لهم: كذبتم، لقد علمتم أنا لا نخلفكم " فنزلت هذه الآية (1).
قال أهل التفسير: العهد في هذه الآية: الميثاق والموعد، و " بلى " رد بعد النفي بمنزلة " نعم " بعد الإيجاب (2)، وقالت طائفة: السيئة هنا الشرك، كقوله تعالى: (و من جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) [النمل: 90] والخطيئات: كبائر الذنوب، قال الحسن بن أبي الحسن، والسدي: كل ما توعد الله عليه بالنار، فهي الخطيئة المحيطة (3)، والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في الكفار، ومستعار، بمعنى الطول في العصاة، وإن علم انقطاعه.
قال محمد بن عبد الله اللخمي في مختصره للطبري: أجمعت الأمة على تخليد من مات كافرا، وتظاهرت الروايات الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، بأن عصاة أهل التوحيد لا يخلدون في النار، ونطق القرآن ب (أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء: 116] لكن من خاف على لحمه ودمه، اجتنب كل ما جاء فيه الوعيد، ولم يتجاسر على المعاصي، اتكالا على ما يرى لنفسه من التوحيد، فقد كان السلف وخيار الأمة يخافون سلب الإيمان على أنفسهم، ويخافون النفاق عليها، وقد تظاهرت بذلك عنهم الأخبار. انتهى.
وقوله تعالى: (و الذين آمنوا...) الآية: يدل هذا التقسيم على أن قوله تعالى:
(بلى من كسب سيئة...) الآية في الكفار، لا في العصاة، ويدل على ذلك أيضا قوله:
(و أحاطت)، لأن العاصي مؤمن، فلم تحط به خطيئاته، ويدل على ذلك أيضا أن الرد كان على كفار ادعوا أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة، فهم المراد بالخلود، والله أعلم.
(و إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله و بالوالدين إحسانا و ذي القربى و اليتامى و المساكين و قولوا للناس حسنا و أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم و أنتم معرضون (83) و إذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم و لا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم و أنتم تشهدون (84) ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم و تخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم و العدوان و إن يأتوكم أسارى تفادوهم و هو محرم عليكم إخراجهم