تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٤
التركيب ظن الذي مر بهند هي المنطلقة المعنى، ظن هندا الشخص الذي مر بها هي المنطلقة، فالذي تنازعه الفعلان هو الاسم الأول، فاعمل الفعل الثاني وبقي الأول يطلب محذوفا، ويطلب المفعول الثاني مثبتا، إذ لم يقع فيه التنازع. ولما تضمن النهي انتفاء كون البخل أو المبخول به خيرا لهم، وكان تحت الانتفاء قسمان: أحدهما أن لا خير ولا شر، والآخر إثبات الشر، أتى بالجملة التي تعين أحد القسمين وهو: إثبات كونه شرا لهم.
* (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) * هذا تفسير لقوله: * (بل هو شر لهم) * والظاهر حمله على المجاز، أي سيلزمون عقابه إلزام الطوق، وفي المثل لمن جاء بهنة تقلدها طوق الحمامة. وقال إبراهيم النخعي: سيجعل لهم يوم القيامة طوق من نار. قال مجاهد وغيره: هو من الطاقة لا من التطويق، والمعنى: سيحملون عقاب ما بخلوا به. كقوله: * (وعلى الذين) * وقال مجاهد: سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به. وهذا التفسير لا يناسب قوله: إن البخل هو العلم الذي تفضل الله عليهم به من أمر الرسول. وقال أبو وائل: هو الرجل يرزقه الله مالا فيمنع منه قرابته الحق الذي جعل الله لهم في ماله، فيجعل حية يطوقها فيقول: ما لي ولك، فيقول: أنا مالك. وجاء في الحديث: (ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل عنده فيبخل به عليه إلا أخرج له يوم القيامة شجاع من النار يتلمظ حتى يطوقه) والأحاديث في مثل هذا من منع الزكاة واكتناز المال كثيرة صحيحة.
* (ولله ميراث * السماوات والارض) * فيه قولان: أحدهما أنه تعالى له ملك جميع ما يقع من إرث في السماوات والأرض، وأنه هو المالك له حقيقة، فكل ما يحصل لمخلوقاته مما ينسب إليهم ملكه هو مالكه حقيقة. وهذا كان هو مالكه فما لكم تبخلون بشيء أنتم ممتعون به لا مالكوه حقيقة، كما قال تعالى: * (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) *. والقول الثاني: أنه خبر بفناء العالم، وأن جميع ما يخلقونه فهو وارثه. وهو خطاب على ما يفهم البشر، دل على فناء الجميع، وأنه لا يبقى مالك إلا الله، وإن كان ملكه على كل شيء لم يزل.
* (والله بما تعملون خبير) * ختم بهذه الصفة ومعناها التهديد والوعيد على قبيح مرتكبهم من البخل. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يعملون على الغيبة جريا على يبخلون وسيطوقون. وقرأ الباقون: بالتاء على الالتفات، فيكون ذلك خطابا للباخلين. وقال ابن عطية: وذلك على الرجوع من الغيبة إلى المخاطبة، لأنه قد تقدم * (وإن تؤمنوا وتتقوا) *. انتهى. فلا يكون على قوله التفاتا، والأحسن الالتفات.
وتضمنت هذه الآيات فنونا من البلاغة والبديع. الاختصاص في: أجر المؤمنين. والتكرار في: يستبشرون، وفي: لن يضروا الله شيئا، وفي: اسمه في عدة مواضع، وفي: لا يحسبن الذين كفروا، وفي ذكر الإملاء. والطباق في: اشتروا الكفر بالإيمان، وفي: ليطلعكم على الغيب. والاستعارة في: يسارعون، وفي: اشتروا، وفي: نملي وفي: ليزدادوا إثما، وفي: الخبيث والطيب. والتجنيس المماثل في: فآمنوا وإن تؤمنوا. والالتفات في: أنتم إن كان خطابا للمؤمنين، إذ لو جرى على لفظ المؤمنين لكان على ما هم عليه، وإن كان خطابا لغيرهم كان من تلوين الخطاب، وفي: تعملون خبير فيمن قرأ بتاء الخطاب. والحذف في مواضع.
2 (* (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنيآء سنكتب ما قالوا وقتلهم الا نبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذالك بما قدمت أيديكم وأن الله
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»