المكذبين الكاذبين على الله من اليهود والمنافقين وذكرهم المؤمنين، نبهوا كلهم على أنهم ميتون ومآلهم إلى الآخرة، ففيها يظهر الناجي والهالك، وأن ما تعلقوا به في الدنيا من مال وأهل وعشيرة إنما هو على سبيل التمتع المغرور به، كلها تضمحل وتزول ولا يبقى إلا ما عمله الإنسان، وهو يوفاه في الآخرة، يوفى على طاعته ومعصيته.
وقال محمد بن عمر الرازي: في هذه الآية دلالة على أن النفس لا تموت بموت البدن، وعلى أن النفس. غير البدن انتهى. وهذه مكابرة في الدلالة، فإن ظاهر الآية يدل على أن النفس تموت. قال أيضا: لفظ النفس مختص بالأجسام انتهى. وقرأ اليزيدي: ذائقة بالتنوين، الموت بالنصب، وذلك فيما نقله عنه الزمخشري. ونقلها ابن عطية عن أبي حيوة، ونقلها غيرهما عن الأعمش، ويحيى، وابن أبي إسحاق. وقرأ الأعمش فيما نقله الزمخشري ذائقة بغير تنوين الموت بالنصب ومثله:
* فألفيته غر مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا * حذف التنوين لالتقاء الساكنين، كقراءة من قرأ * (قل هو الله أحد * الله الصمد) * بحذف التنوين من أحد * (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) * لفظ التوفية يدل على التكميل يوم القيامة، فما قبله من كون القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، هو بعض الأجور. وما لم يدخل الجنة أو النار فهو غير موفى. والذي يدل عليه السياق أن الأجور هي ما يترتب على الطاعة والمعصية، وإن كان الغالب في الاستعمال أن الأجر هو ما يترتب على عمل الطاعة. ولهذا قال ابن عطية: وخص تعالى ذكر الأجور لشرفها، وإشارة إلى مغفرته لمحمد صلى الله عليه وسلم) وأمته. ولا محالة أن يوم القيامة يقع فيه الأجور، وتوفية العقوبات انتهى.
* (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) * علق الفوز وهو نيل الحظ من الخير والنجاة من الشر على التنحية من النار ودخول الجنة، لأن من لم ينج عن النار بل أدخلها، وإن كان سيدخل الجنة لم يفز كمن يدخلها من أهل الكبائر. ومن نحى عنها ولم يدخل الجنة كأصحاب اوعراف، لم يفز أيضا. وروي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم): (من سره أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه، قيل: فاز معناه نجا. وقيل: سبق. وقيل: غنم.
* (وما الحيواة الدنيا إلا متاع الغرور) * المتاع: ما يستمتع به من آلات وأموال وغير ذلك. وفسره عكرمة: بالفأس، والقصعة، والقدر. وفسره الحسن فقال: هو كخضرة النبات، ولعب البنات لا حاصل له يلمع لمع السراب، ويمر مر السحاب، وهذا من عكرمة والحسن على سبيل التمثيل. قال الزمخشري: شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه، ثم يتبين له فساده ورداءته، والشيطان هو المدلس. الغرور انتهى. وقال سعيد بن جبير: إنما هذا المن آثرها على الآخرة، فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ. وقال عكرمة أيضا: متاع الغرور القوارير التي لا بد لها من الانكسار والفساد، فكذلك أمر الدنيا كله. وهذا تشبيه من عكرمة والغرور الخدع والترجئة بالباطل. وقال عبد الرحمن بن سابط: متاع الغرور كزاد الراعي يزود الكف من التمر والشيء من الدقيق يشرب عليه