تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ١٤٥
ليس فيه وحبه المدح عليه منهى عنه ومذموم شرعا. وقال تعالى: * (لم تقولون ما لا تفعلون) * وفي الحديث الصحيح: * (* المتشبع بما ليس فيه كلابس ثوبي زور) * وقد أخبر تعالى عنهم بالعذاب الأليم في قوله: ولهم عذاب أليم. وناسب وصفه بأليم لأجل فرحهم ومحبتهم المحمدة على ما لم يفعلوا.
* (ولله ملك * السماوات والارض * والله على كل شيء قدير) * ذكر تعالى أنهم من جملة ما ملك، وأنه قادر عليهم، فهم مملوكون مقهورون مقدور عليهم، فليسوا بناجين من العذاب.
* (إن في خلق * السماوات والارض * واختلاف اليل والنهار لايات لاولى الالباب) * تقدم شرح نظير هذه الجملة في سورة البقرة. ومعنى لآيات: العلامات واضحة على الصانع وباهر حكمته، ولا يظهر ذلك إلا لذوي العقول ينظرون في ذلك بطريق الفكر والاستدلال، لا كما تنظر البهائم. وروي ابن جبير عن ابن عباس أن قريشا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم): ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا، حين ذكرت اليهود والنصارى لهم بعض ما جاء به من المعجزات موسى عليهما السلام، فنزلت هذه الآية. ومناسبة هذه الآية لما قبلها واضحة، لأنه تعالى لما ذكر أنه مالك السماوات والأرض، وذكر قدرته، ذكر أن في خلقهما دلالات واضحة لذوي العقول.
* (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * الظاهر أن الذكر هو باللسان مع حضور القلب، وأنه التحميد والتهليل والتكبير، ونحو ذلك من الأذكار. هذه الهيئات الثلاثة هي غالب ما يكون عليها المرء، فاستعملت والمراد بها جميع الأحوال. كما قالت عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يذكر الله على كل أحيانه) وظاهر هذا الحديث والآية يدل على جواز ذكر الله على الخلاء. وقال بجواز ذلك: عبد الله بن عمر، وابن سيرين والنخعي. وكرهه: ابن عباس، وعطاء، والشعبي. وعن ابن عمر وعروة بن الزبير وجماعة أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكروا الله فقال بعضهم: أما قال الله تعالى: قياما وقعودا؟ فقاموا يذكرون الله على أقدامهم.
وروي في الحديث: (من أحب أن يرتع في رياض لجنة فليكثر ذكر الله) * وإلى أن المراد بالذكر هو الظاهر الذي ذكرناه. ذهب ابن جريج والجمهور: والذكر من أعظم العبادات، والأحاديث فيه كثيرة. وقال ابن عباس وجماعة: المراد بالذكر الصلوات، ففي حال العذر يصلونها قعودا وعلى جنوبهم، وسماها ذكرا لاشتمالها على الذكر. وقيل: المراد بالذكر صلاة النفل يصليها كيف شاء. وجلب المفسرون في هذه الآية أشياء من كيفية إيقاع الصلاة في القيام والقعود والاضطجاع، وخلاف الفقهاء في ذلك، ودلائلهم. وذلك مقرر في علم الفقه. وعلى الظاهر من تفسير الذكر فتقديم القيام، لأن الذكر فيه أخف على الإنسان، ثم انتقل إلى حالة القعود والذكر فيه أشق منه في حالة القيام، لأن الإنسان لا يقعد غالبا إلا لشغل يشتغل به من صناعة أو غيرها. ثم انتقل إلى هيئة الاضطجاع والذكر فيها أشق منه في هيئة القعود، لأن الاضطجاع هو هيئة استراحة وفراغ عن الشواغل. ويمكن في هذه الهيئات أن يكون التقديم لما هو أقصر زمانا، فبدىء بالقيام لأنها هيئة زمانها في الغالب أقصر من زمان القعود، ثم بالقعود إذ زمانه أطول، وبالاضطجاع إذ زمانه أطول من زمان القعود. ألا ترى أن الليل جميعه هو زمان الاضطجاع، وهو مقابل لزمان القعود والقيام، وهو النهار؟ وأما إذا كان الذكر يراد به الصلاة المفروضة، فالهيئات جاءت على سبيل الندرة. فمن قدر على القيام لا يصلي قاعدا، ومن قدر على القعود لا يصلي مضطجعا، وأما إذا كان يراد به صلاة النفل فالهيئات على سبيل
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»