بالناس الأول أبو نعيم بن مسعود الأشجعي، وهو قول: ابن قتيبة، وضعفه ابن عطية. وبالثاني: أبو سفيان. وتقدم ذكر قصة نعيم وذكرها المفسرون مطولة، وفيها: أن أبا سفيان جعل له جعلا على تثبيط الصحابة عن بدر الصغرى وذلك عشرة من الإبل ضمنها له سهيل بن عمرو، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأفزع الناس وخوفهم اللقاء، فقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم): (والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي) فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فتجهز للقتال وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فوافى بدرا الصغرى فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش فيقولون: قد جمعوا لكم، وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام، فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان، وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة، فسمى أهل مكة حسبة جيش السويق قالوا: إنما خرجتم لتشربوا السويق. وكانت مع الصحابة تجارات ونفقات، فباعوا وأصابوا للدرهم درهمين، وانصرفوا إلى المدينة غانمين، وحسبها الرسول لهم غزوة، وظفر في وجهة ذلك بمعاوية بن المغيرة بن العاص وأبي غزة الجمحي فقتلهما. فعلى هذا القول أن المثبط أبو نعيم وحده، وأطلق عليه الناس على سبيل المجاز، لأنه من جنس الناس كما يقال: فلان يركب الخيل، ويلبس البرود، وما له إلا فرس واحد، وبرد واحد، قاله الزمخشري. وقال أيضا: ولأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامونه ويصلون جناح كلامه، ويثبطون مثل تثبيطه انتهى. ولا يجيء هذا على تقدير السؤال وهو: أن نعيما وحده هو المثبط، لأنه قد انضاف إليه ناس، فلا يكون إذ ذاك منفردا بالتثبيط.
وقيل: الناس الأول ركب من عبد القيس مروا على أبي سفيان يريدون المدينة للميرة، فجعل لهم جعلا وهو حمل إبلهم زبيبا على أن يخبروا أنه جمع ليستأصل بقية المؤمنين، فأخبروا بذلك، فقال الرسول وأصحابه وهم إذ ذاك بحمراء الأسد: * (حسبنا الله ونعم الوكيل) * والناس الثاني قريش، وهذا القول أقرب إلى مدلول اللفظ.
وجوزوا في إعراب الذين قال: أوجه الذين قبله، والفاعل بزاد ضمير مستكن يعود على المصدر المفهوم من قال أي: فزادهم ذلك القول إيمانا. وأجاز الزمخشري أن يعود إلى القول، وأن يعود إلى الناس إذا أريد به نعيم وحده. وهما ضعيفان، من حيث أن الأول لا يزيد إيمانا إلا بالنطق به، لا هو في نفسه. ومن حيث أن الثاني إذا أطلق على المفرد لفظ الجمع مجازا فإن الضمائر تجزي على ذلك الجمع، لا على المفرد. فيقول: مفارقه شابت، باعتبار الإخبار عن الجمع، ولا يجوز مفارقه شاب، باعتبار مفرقه شاب.
وظاهر اللفظ أن الإيمان يزيد، ومعناه هنا: أن ذلك القول زادهم تثبيتا واستعدادا، فزيادة الإيمان على هذا هي في الأعمال. وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال قوم: يزيد وينقص باعتبار الطاعات، لأنها من ثمرات الإيمان، وينقص بالمعصية وهو: مذهب مالك ونسب للشافعي. وقال قوم: من جهة أعمال القلوب كالنية والإخلاص والخوف والنصيحة. وقال قوم: من طريق الأدلة وكثرتها وتظافرها على معتقد واحد. وقال قوم: من طريق نزول الفرائض والإخبار في مدة الرسول. وقال قوم: لا يقبل الزيادة والنقص، وهو مذهب أبي حنيفة، وحكاه الباقلاني عن الشافعي. وقال أبو المعالي في الإرشاد: زيادته من حيث ثبوته وتعاوره دائما، لأنه عرض لا يثبت زمانين، فهو للصالح متعاقب متوال، وللفاسق والغافل غير متوال، فهذا معنى الزيادة والنقص. وذهب قوم: إلى ما نطق به النص، وهو أنه يزيد ولا ينقص، وهو مذهب المعتزلة. وروى شبهه عن ابن المبارك. والذي يظهر أن الإيمان إذا أريد به