وإيثار ذلك، بين حكما عظيما من أحكام النكاح، وهو حكم النكاح في زمان الحيض. والمحيض، كما قررناه، هو مفعل، هو مفعل من الحيض يصلح من حيث اللغة للمصدر والزمان والمكان، فأكثر المفسرين من الأدباء زعموا أن المراد به المصدر، وكأنه قيل: عن الحيض، وبه فسره الزمخشري؛ وبه بدأ ابن عطية قال: المحيض مصدر كالمحيض، ومثله المقيل من قال يقيل. قال الراعي:
* بنيت مرافقهن فوق مزلة * لا يستطيع بها القراد مقيلا * وقال الطبري: المحيض اسم الحيض، ومثله قول رؤبة في العيش:
* إليك أشكو شدة المعيش * ومر أعوام نتفن ريشي * انتهى كلامه. ويظهر منه أنه فرق بين قول: المحيض مصدر كالحيض، وبين قول الطبري: المحيض اسم الحيض، ولا فرق بينهما؛ يقال فيه مصدر، ويقال فيه اسم مصدر، والمعنى واحد. والقول بأن المحيض مصدر مروي عن ابن المسيب؛ وقال ابن عباس: هو موضع الدم، وبه قال محمد بن الحسن، فعلى هذا يكون المراد منه المكان. ورجح كونه مكان الدم بقوله: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * فلو أريد به المصدر لكان الظاهر منع الاستمتاع بها فيما فوق السرة ودون الركبة غير ثابت، لزم القول بتطرق النسخ، أو التخصيص، وذلك خلاف الأصل، فإذا حمل على موضع الحيض كان المعنى: فاعتزلوا النساء في موضع الحيض. قالوا واستعماله في الموضع أكثر وأشهر منه في المصدر انتهى.
ويمكن أن يرجح المصدر بقوله: * (قل هو أذى) *. ومكان الدم نفسه ليس بأذى لأن الأذى كيفية مخصوصة وهو عرض، والمكان جسم، والجسم لا يكون عرضا. وأجيب عن هذا بأنه يكون على حذف إذا أريد المكان، أي: ذو أذى.
والخطاب في: ويسألونك، وفي: قل للنبي صلى الله عليه وسلم)، والضمير في: هو، عائد على المحيض، والمعنى: أنه يحصل نفرة للإنسان واستقذار بسببه.
* (فاعتزلوا النساء في المحيض) * تقدم الخلاف في المحيض أهو موضع الدم أم الحيض؟ ويحتمل أن يحمل الأول على المصدر، والثاني على المكان، وإن حملنا الثاني على المصدر فلا بد من حذف مضاف، أي: فاعتزلوا وطء النساء في زمان الحيض.
واختلف في هذا الاعتزال، فذهب ابن عباس، وشريح، وابن جبير، ومالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وجماعة من أهل العلم إلى أنه يجب اعتزال ما اشتمل عليه الإزار، ويعضده ما صح أنها: تشد عليها إزارها ثم شأنه بأعلاها.
وذهبت عائشة، والشعبي، وعكرمة، ومجاهد، والثوري، ومحمد بن الحسن، وداود إلى أنه لا يجب إلا اعتزال الفرج فقط، وهو الصحيح من قول الشافعي.
وروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني أنه يجب اعتزال الرجل فراش زوجته إذا حاضت، أخذ بظاهر الآية، وهو قول شاذ.
ولما كان الحيض معروفا في اللغة لم يحتج إلى تفسير ولم تتعرض الآية لأقلة ولا لأكثرة، بل دلت على وجوب اعتزال النساء في المحيض، وأقله عند مالك لا حد له، بل الدفعة من الدم عنده حيض، والصفرة والكدرة حيض