تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٧٤
جماعة أن لهم نبيا يسمى زرادشت، وكتابا قديما رفع، روي حديث الكتاب عن علي، وابن عباس، وذكر لرفعه وتغيير شريعتهم سبب طويل، والله أعلم بصحته.
ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب الفقه، وظاهر النهي في قوله: ولا تنكحوا التحريم، وقيل: هو نهي كراهة حتى يؤمن، غاية للمنع من نكاحهن، ومعنى إيمانهن اقرارهن بكلمتي الشهادة التزام شرائع الإسلام.
* (ولامة مؤمنة خير من مشركة) * الظاهر أنه أريد بالأمة الرقيقة، ومعنى: خير من مشركة، أي: من حرة مشركة، فحذف الموصوف لدلالة مقابله عليه، وهو أمة، وقيل: الأمة هنا بمعنى بالمرأة، فيشمل الحرة والرقيقة، ومنه: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). وهذا قول الضحاك: ولم يذكر الزمخشري غيره، وفي هذا دليل على جواز نكاح الأمة المؤمنة، ومفهوم الصفة يقتضي أنه لا يجوز نكاح الأمة الكافرة، كتابية كانت أو غيرها، وهذا مذهب مالك وغيره؛ وأجاز أبو حنيفة وأصحابه نكاح الأمة المجوسية خلاف: مذهب مالك وجماعة أنه لا يجوز أن توطأ بنكاح ولا ملك، وروي عن عطاء، وعمرو بن دينار أنه لا بأس بنكاحها بملك اليمين، وتأولا: * (ولا تنكحوا المشركات) * على العقد لا على الأمة المشتراة، واحتجا بسبي أوطاس، وأن الصحابة نكحوا الإماء منهم بملك اليمين.
قيل: وفي هذه الآية دليل لجواز نكاح القادر على طول الحرة المسلمة للأمة المسلمة، ووجه الاستدلال أن قوله: * (خير من مشركة) * معناه من: حرة مشركة، وواجد طول الحرة المشركة واجد لطول الحرة المسلمة، لأنه لا يتفاوت الطولان بالنسبة إلى الإيمان والكفر، فقدر المال المحتاج إليه في أهبة نكاحها سواء، فيلزم من هذا أن واجد طول الحرة المسلمة يجوز له نكاح الأمة المسلمة وهذا استدلال لطيف.
وأمة: مبتدأ، أو مسوغ جواز الابتداء الوصف، و: خير، خبر. وقد استدل بقوله: خير، على جواز نكاح المشركة لأن أفعل التفضيل يقتضي التشريك، ويكون النهي أولا على سبيل الكراهة، قالوا: والخيرية إنما تكون بين شيئين جائزين، ولا حجة في ذلك، لأن التفضيل قد يقع على سبيل الاعتقاد. لا على سبيل الوجود، ومنه: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) * و: العسل أحلى من الخل؛ وقال عمر، في رسالته لأبي موسى: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ويحتمل إبقاء الخيرية على الاشتراك الوجودي، ولا يدل ذلك على جواز النكاح بأن نكاح المشركة يشتمل على منافع دنيوية، ونكاح الأمة المؤمنة على منافع أخروية فقد اشترك النفعان في مطلق النفع أصلا أن نفع الآخرة له المزية العظمى، فالحكم بهذا النفع الدنيوي لا يقتضي التسويغ، كما أن الخمر والميسر فيهما منافع، ولا يقتضي ذلك الإباحة، وما من شيء محرم إلا يكاد يكون فيه نفع ما.
وهذه التأويلات في أفعل التفضيل هو على مذهب سيبويه والبصريين في أن لفظة: أفعل، التي للتفضيل، لا تصح حيث لا اشتراك، كقولك: الثلج أبرد من النار، والنور أضوأ من المظلمة؛ وقال الفراء وجماعة من الكوفيين: يصح حيث الاشتراك، وحيث لا يكون اشتراك؛ وقال إبراهيم بن عرفة: لفظة التفضيل تجيء في كلام العرب إيجابا للأول، ونفيا عن الثاني، فعلى قول هو لا يصح أن لا يكون خير في المشركة وإنما هو في الأمة المؤمنة.
* (ولو أعجبتكم) * لو: هذه بمعنى إن الشرطية، نحو: (ردوا السائل ولو بظلف شاة محرق). والواو في: ولو، للعطف على حال محذوفة، التقدير: خير من مشركة على كل حال، ولو في هذه الحال، وقد ذكرنا أن هذا يكون لاستقصاء الأحوال، وأن ما بعد لو هذه إنما يأتي وهو مناف لما قبله بوجه ما، فالإعجاب مناف لحكم الخيرية، ومقتض جواز النكاح لرغبة الناكح فيها، وأسند الإعجاب إلى ذات المشركة، ولم يبين المعجب منها، فالمراد مطلق الإعجاب، إما
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»