تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٨٠
فقالوا: كنا نجمع بين الاستجمار واستنجاء بالماء، أو كلاما هذا معناه.
وقرأ طلحة بن مصرف: المطهرين، بإدغاء التاء في الطاء، إذا أصله المتطهرين.
* (نساؤكم حرث لكم) * في البخاري ومسلم: أن اليهود كانت تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها إن الولد يكون أحول، فنزلت. وقيل: سبب النزول كراهة نساء الأنصار ذلك لما تزوجهم المهاجرون، وكانوا يفعلون ذلك بمكة، يتلذذون بالنساء مقبلات ومدبرات، روى معناه الحاكم في صحيحه، وقيل: سبب ذلك أن بعض الصحابة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم): هلكت فقال: (وما الذي أهلك؟) قال: حولت رجلي الليلة، فنزلت.
ومناسبتها لما قبلها ظاهرة، لأنه لما تقدم * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * وكان الإطلالاق يقتضي تسويغ إتيانهن على سائر أحوال الإتيان، أكد ذلك بأن نص بما يدل على سائر الكيفيات، وبين أيضا المحل بجعله حرثا وهو: القبل، والحرث كما تقدم في قصة البقرة: شق الأرض للزرع، ثم سمى بالزرع حرثا * (أصابت حرث قوم) * وسمى الكسب حرثا، قال الشاعر:
* إذا أكل الجراد حروث قوم * فحرثى همه أكل الجراد * قالوا: يريد فامرأتي، وأنشد أحمد بن يحي:
* إنما الأرحام أرضو * ن لنا محترثات * فعلينا الزرع فيها، وعلى الله النبات.
وهذه الجملة جاءت بيانا وتوضيحا لقوله: * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * وهو المكان الممنوع من استعماله وقت الحيض، ودل ذلك على أن الغرض الأصيل هو طلب النسل: (تناكحوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، لا قضاء الشهوة فقط، فأتوا النساء من المسلك الذي يتعلق به الغرض الأصلي، وهو القبل.
ونساؤكم: مبتدأ، وحرث لكم: خبر، إما على حذف أداة التشبية، أي: كحرث لكم ويكون نساؤكم على حذف مضاف، أي: وطء نسائكم كالحرث، إذ النطفة كالبذر، والرحم كالأرض، والولد كالنبات، وقيل: هو على حذف مضاف أي: موضع حرث لكم، وهذه الكناية في النكاح من بديع كنايات القرآن، قالوا: وهو مثل قوله تعالى: * (يأكل الطعام) * ومثل قوله: * (وأرضا لم) * على قول من فسره بالنساء، ويحتمل أن يكون: حرث لكم، بمعنى: محروثه لكم، فيكون من باب إطلاق المصدر، ويراد به اسم المفعول. وفي لفظة: حرث لكم، دليل على أنه القبل لا الدبر؟ قال الماتريدي: أي مزدرع لكم، وفيها دليل على النهي عن امتناع وطئ النساء، لأن المزدرع إذا ترك ضاع. ودليل على إباحة الوطىء لطلب النسل والولد، لا لقضاء الشهوة. إنتهى كلامه.
وفرق الراغب بين الحرث والزرع، فقال: الحرث إلقاء البذر وتهيئة الأرض، والزرع مراعاته وإنباته، ولذلك قال تعالى * (أفرءيتم ما تحرثون * تزرعونه أم نحن الزرعون * لو) * أثبت لهم الحرث ونفى عنهم الزرع.
* (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * الإيتان كناية
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»