الهواء.
الاعتزال: ضد الاجتماع، وهو التيأس من الشيء والتباعد منه، وتارة يكون بالبدن، وتارة بالقلب، وهو افتعال من العزل، وهو تنجية الشيء من الشيء.
أنى: اسم ويستعمل شرطا ظرف مكان، ويأتي ظرف زمان بمعنى: متى واستفهاما بمعنى: كيف، وهي مبنية لتضمن معنى حرف الشرط، وحرف الاستفهام، وهو في موضع نصب لا يتصرف فيه بغير ذلك البتة.
* (ويسئلونك عن * الخمر) * سبب نزولها سؤال عمر ومعاذ، قالا: يا رسول الله، أفتنا في الخمر والميسر، فإنه مذهبة للعقل، مسلبة للمال. فنزلت.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنهم لما سألوا عن ماذا ينفقون؟ فبين لهم مصرف ذلك في الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل، ثم ذكر تعالى فرض القتال والجهاد في سبيل الله، ناسب ذكر سؤالهم عن الخمر والميسر، إذ هما أيضا من مصارف المال، ومع مداومتهما قل أن يبقى مال فتتصدق به، أو تجاهد به، فلذلك وقع السؤال عنهما.
وقال بعض من ألف في الناسخ والمنسوخ: أكثر العلماء على أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر، وسورة الأنعام مكية، فلا يعتبر بما فيها من قوله: * (الظالمين قل لا أجد) * وقال ابن جبير: لما نزل * (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) * كره الخمر قوم للإثم، وشربتها قوم للمنافع، حتى نزل: * (لا تقربوا الصلواة وأنتم سكارى) * فاجتنبوها في أوقات الصلاة، حتى نزل: * (فاجتنبوه) * فحرمت. قال مكي: فهذا يدل على أن هذه منسوخة بآية المائدة، ولا شك في أن نزول المائدة بعد البقرة، وقال قتادة: ذم الله الخمر بهذه الآية ولم يحرمها، وقال بعض الناس: لا يقال إن هذه الآية ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر، لأنه يلزم منه أن الله أنزل إباحتها، ثم نسخ، ولم يكن ذلك، وإنما كان مسكوتا عن شربها، فكانوا جارين في شربها على عادتهم، ثم نزل التحريم. كما سكت عنهم في غيرها من المحرمات إلى وقت التحريم.
وجاء: * (ويسئلونك) * بواو الجمع وإن كان من سأل اثنين: وهمنا عمرو ومعاذ، على ما روي في سبب النزول، لأن العرب تنسب الفعل الصادر من الواحد إلى الجماعة في كلامها، وقد تبين ذلك.
والسؤال هنا ليس عن الذات، وإنما هو عن حكم هذين من حل وحرمة وانتفاع، ولذلك جاء الجواب مناسبا لذلك، لا جوابا عن ذات.
وتقدم تفسير الخمر في اللغة، وأما في الشريعة، فقال الجمهور: كل ما خامر العقل وأفسده مما يشرب يسمى خمرا، وقال الرازي، عن أبي حنيفة: الخمر اسم ما يتخذ من العنب خاصة، ونقل عنه السمرقندي: أن الخمر عنده هو اسم ما اتخذ من العنب والزبيب والتمر، وقال: إن المتخذ من الذرة والحنطة ليس من الأشربة، وإنما هو من الأغذية المشوشة للعقل: كالبنج والسيكران، وقيل: الصحيح، عن أبي حنيفة، أن القطرة من هذه الأشربة من الخمر.
وتقدم تفسير الميسر وهو: قمار أهل الجاهلية، وأما في الشريعة فاسم الميسر يطلق على سائر ضروب القمار، والإجماع منعقد على تحريمه، قال علي، وابن عباس، وعطاء وابن سيرين، والحسن، وابن المسيب، وقتادة، وطاووس، ومجاهد، ومعاوية بن صالح: كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج وغيره فهو ميسر، حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز إلا ما أبيح من الرهان في الخيل، والفرعة في إبراز الحقوق. وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو فمنه: النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار: وهو ما يتخاطر الناس عليه، وقال على الشطرنك: ميسر العجم، وقال القاسم، كل شيء ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر.
* (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) *. أنزل في الخمر أربع آيات. * (ومن ثمرات النخيل والاعناب) * بمكة ثم هذه الآية، ثم * (لا تقربوا الصلواة وأنتم سكارى) * ثم * (إنما الخمر والميسر) * قال القفال: ووقع التحريم على هذا الترتيب، لأنه تعالى علم أن القوم كانوا ألفوا شربها والانتفاع بها كثيرا، فجاء