تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ١٧٦
المشركين والمؤمنين.
وقرأ الجمهور: والمغفرة، بالخفض عطفا على الجنة، والمعنى أنه تعالى يدعو إلى المغفرة، أي: إلى سبب المغفرة، وهي التوبة والتزام الطاعات، وتقدم هنا الجنة على المغفرة، وتأخر عنها في قوله: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة) * وفي قوله: * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة) * والأصل فيه تقدم المغفرة على الجنة، لأن دخول الجنة متسبب عن حصول المغفرة، ففي تلك الآيتين جاء على هذا الأصل، وأما هنا، فتقدم ذكر الجنة على المغفرة لتحسن المقابلة، فإن قبله * (أولئك يدعون إلى النار) * فجاء * (والله يدعو إلى * الجنة) * وليبدأ بما تتشوف إليه النفس حين ذكر دعاء الله، فأتى بالأشرف للأشرف، ثم أتبع بالمغفرة على سبيل التتمة في الإحسان، وتهيئة سبب دخول الجنة.
وقرأ الحسن: و: المغفرة، بالرفع على الابتداء، والخبر: قوله: * (بإذنه) * متعلقا بقوله: يدعو.
* (ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) * أي: يظهرها ويكشفها بحيث لا يحصل فيها التباس، أي أن هذا التبيين ليس مختصا بناس دون ناس، بل يظهر آياته لكل أحد رجاء أن يحصل بظهور الآيات تذكر واتعاظ، لأن الآية متى كانت جلية واضحة، كانت بصدد أن يحصل بها التذكر، فيحصل الامتثال لما دلت عليه تلك الآيات من موافقة الأمر، ومخالفة النهي. و: للناس، متعلق: بيبين، و: اللام، معناها الوصول والتبليغ، وهو أحد معانيها المذكورة في أول الفاتحة.
* (ويسئلونك عن المحيض) * في صحيح مسلم عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت امرأة منهم أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فانزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل: كانت العرب على ما جاء في هذا الحديث، فسأل أبو الدحداح عن ذلك، فقال: كيف نصنع بالنساء إذا حضن؟ فنزلت.
وقال مجاهد: كانوا يأتون الحيض استنوا سنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحيض ومساكنتها، فنزلت.
وقيل: كانت النصارى يجامعون الحيض ولا يبالون بالحيض واليهود يعتزلونهن في كل شيء، فأمر الله بالاقتصادبين الأمرين.
وقيل: سأل أسيد بن حضير، وعباد بن بشير، عن المحيض فنزلت وقيل كانت اليهود تقول: من أتى امرأة من دبرها، جاء ولده أحول، فامتنع نساء الأنصار من ذلك، وسئل عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض، وما قالت اليهود، فنزلت.
والضمير في: ويسألونك، ضمير جمع، فالظاهر أن السائل عن ذلك هو ما يصدق عليه الجمع، لا اثنان ولا واحد، وجاء: ويسألونك، هنا وقبله في * (فى الدنيا والاخرة) * وقبله * (يسئلونك عن الخمر والميسر قل) * بالواو والعاطفة على * (يسئلونك عن الخمر والميسر) * قيل: لأن السؤال عن الثلاثة في وقت واحد، فجىء بحرف الجمع لذلك، كأنه قيل: جمعوا لك بين السؤال عن الخمر والميسر، والسؤال عن كذا وكذا.
وقيل هذه سؤالات ثلاثة بغير واو * (يسئلونك عن الاهلة) * * (يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم) * * (يسئلونك عن الشهر الحرام) * وثلاثة: * (يسئلونك عن الخمر) * قيل إنها جاءت بغير واو العطف لأن سؤالهم عن تلك الحوادث وقع في أوقات متباينة متفرقة، فلم يؤت فيها بحرف العطف، لأن كلا منها سؤال مبتدأ. انتهى.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه لما نهى عن مناكحة الكفار، وتضمن مناكحة أهل الإيمان
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»