قول من قال: نزلت في عبد الله بن رواحة، أو في أبي بكر على ما تقدم في سبب النزول، فيكون المعنى: أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم، وإصلاح ذات بين، أو إحسان إلى أحد، أو عبادة، ثم يقول: أخاف الله أن أحنث في يميني، فيترك البر في يمينه، فنهوا أن يجعلوا الله حاجزا لما حلفوا عليه.
* (لايمانكم) * تحتمل اللام أن تكون متعلقة، بعرضة، فتكون كالمقوية للتعدي، أو معدا ومرصدا لأيمانكم، ويحتمل أن تكون متعلقة بقوله: * (ولا تجعلوا) * فتكون للتعليل، أي: لا تجعلوا الله عرضة لأجل أيمانكم.
والظاهر أن المراد بالأيمان هنا الاقتسام، لا المقسم عليه، وقال الزمخشري: أي: حاجزا لما حلفتم عليه، وسمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم) لعبد الرحمن بن سمرة: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك) أي: على شيء مما يحلف عليه إنتهى كلامه ولا حاجة هنا للخروج عن الظاهر وإنما احتيج في الحديث إلى أنه أطلق اليمين، ويراد بها متعلقها، لأنه قال: إذا حلفت على يمين، فععدى حلفت بعلى، فاحتيج إلى هذا التأويل، وليس في الآية ما يحوج إلى هذا التجويل، لكن الزمخشري لما حمل: عرضة، على أن معناه حاجزا ومانعا، اضطر إلى هذا التأويل.
* (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) * قال الزجاج، وتبعه التبريزي: أن تبروا، في موضع رفع بالابتداء، قال الزجاج والمعنى: بركم وتقواكم وإصلاحكم أمثل وأولى، وجعل الكلام منتهيا عند قوله: لأيمانكم، ومعنى الجملة التي فيها النهي عنده أنها في الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله، فقال: علي يمين، وهو لم يحلف، وقدر التيريزي خبر المبتدأ المحذوف بأن المعنى: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس خير لكم من أن تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، وهذا الذي ذهب إليه الزجاج والتبريزي ضعيف، لأن فيه اقتطاع: أن تبروا، مما قبله، والظلم هو اتصاله به، ولأن فيه حذفا لا دليل عليه وقال الزمخشري: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، عطف بيان لأيمانكم، أي للأمور المحلوف عليها التي هي: البر والتقوى والإصلاح بين الناس إنتهى كلامه وهو ضعيف، لأن فيه مخالفة للظاهر، لأن الظاهر من الأيمان هي الأقسام، والبر والتقوى والإصلاح هي المقسم عليها، فهما متباينان، فلا يجوز أن يكون عطف بيان على الإيمان، لكنه لما تأول الأيمان على أنها المحلوف عليها، ساغ له ذلك، وقد بينا أنه لا حاجة تدعونا إلى تأويل الأيمان بالأشياء المحلوف عليها، وعلى مذهبه تكون: أن تبروا، في موضع جر، ولو أدعى أن يكون: أن تبروا، وما بعده بدلا من: أيمانكم، لكان أولى، لأن عطف البيان أكثر ما يكون في الأعلام.
وذهب الجمهور إلى أن قوله: أن تبروا، مفعول من أجله، ثم اختلفوا في التقدير، فقيل: كراهة أن تبروا، قاله المهدوى، أو لترك أن تبروا، قاله المبرد، وقيل: لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا، قال أبو عبيدة، والطبري كقوله:
فخالف فلا والله تهبط تلعة أي: لا تهبط، وقيل: إرادة تبروا، والتقادير الأول متلاقية حيث المعنى، وروي هذا المعنى عن ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وابن جريج، وإبراهيم، وقتادة، والضحاك، والسدي، ومقاتل، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج، في آخر من روي عنهم أن المعنى: لا تحلفوا بالله أن لا تبروا، فيتعلق بقوله: ولا تجعلوا، ولا يظهر هذا المعنى لما فيه من تعليل امتناع الحلف بانتفاء البر، بل وقوع الحلف معلل بانتفاء البر، ولا ينعقد منه شرط، وجزاء لو قلت في معنى هذا النهي