التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٢٢
فيمن آمن منهم أيمانا صحيحا ثم نافق بعد ذلك والآخر أن يريد آمنوا في الظاهر كقوله إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا * (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) * يعني أنهم حسان الصور * (وإن يقولوا تسمع لقولهم) * يعني أنهم فصحاء الخطاب والضمير في قوله وإذا رأيتهم تعجبك وفي قوله تسمع لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل مخاطب * (كأنهم خشب مسندة) * شبههم بالخشب في قلة أفهامهم فكان لهم منظر بلا مخبر وقال الزمخشري إنما شبههم بالخشب المسندة إلى حائط لأن الخشب إذا كانت كذلك لم يكن فيها منفعة بخلاف الخشب التي في سقف أو مغروسة في جدار فإن فيها حينئذ منفعة فالتشبيه على هذا في عدم المنفعة وقيل كانوا يستندون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فشبههم في استنادهم بالخشب المسندة إلى الحائط * (يحسبون كل صيحة عليهم) * عبارة عن شدة خوفهم من المسلمين وذلك أنهم كانوا إذا سمعوا صياحا ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتلهم * (قاتلهم الله) * الدعاء عليهم يتضمن ذمهم وتقبيح أحوالهم * (أنى يؤفكون) * أي كيف يصرفون عن الإيمان مع ظهوره * (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم) * أي أمالوها إعراضا واستكبارا وقصص هذه الآية وما بعدها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة بني المصطلق فبلغ الناس إلى ماء ازدحموا عليه فكان ممن ازدحم عليه جهجاه بن سعيد أجير لعمر بن الخطاب وسنان الجهني حليف لعبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين فلطم الجهجاه سنان فغضب سنان ودعا بالأنصار ودعا جهجاه بالمهاجرين فقال عبد الله بن أبي والله ما مثلنا ومثل هؤلاء يعني المهاجرين إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك ثم قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعني بالأعز نفسه وأتباعه ويعني بالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ثم قال لقومه إنما يقيم هؤلاء المهاجرون بالمدينة بسبب معونتكم وإنفاقكم عليهم ولو قطعتم ذلك عنهم لفروا عن مدينتكم فسمعه زيد بن أرقم فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول فحلف أنه ما قال من ذلك شيئا وكذب زيدا فنزلت السورة عند ذلك فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زيد وقال لقد صدقك الله يا زيد فخزي عبد الله بن أبي ابن سلول ومقته الناس فقيل له امض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي وقال أمرتوني بالإسلام فأسلمت وأمرتوني بأداء زكاة مالي ففعلت ولم يبق لكم إلا أن تأمروني أن أسجد لمحمد ثم مات عبد الله بن أبي بعد ذلك بقليل وأسندت هذه الأقوال التي قالها عبد الله بن أبي إلى ضمير الجماعة لأنه كان له أتباع من المنافقين يوافقونه عليها * (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) * روى أنه لما نزلت إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزيدن على السبعين فلما فعل عبد الله بن أبي وأصحابه ما فعلوا شدد الله عليهم في هذه السورة وأخبر أنه لا يغفر لهم بوجه وفي هذا نظر لأن هذه االسورة نزلت
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»