التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ١٢٧
شهادة العبيد وهو مذهب مالك * (وأقيموا الشهادة لله) * هذا خطاب للشهود وإقامة الشهادة يحتمل أن يريد بها القيام فإذا استشهد وجب عليه أن يشهد وهو فرض كفاية وإلى هذا المعنى أشار ابن الفرس ويحتمل أن يريد إقامتها بالحق دون ميل ولا غرض وبهذا فسره الزمخشري وهو أظهر لقوله لله وهو كقوله * (كونوا قوامين بالقسط) * شهداء لله * (ذلكم) * إشارة إلى ما تقدم من الأحكام * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * قيل إنها في الطلاق ومعناها من يتق الله فيطلق طلقة واحدة حسبما تقتضيه السنة يجعل له مخرجا بجواز الرجعة متى قدم على الطلاق وفي هذا المعنى روى عن ابن عباس أنه قال لمن طلق ثلاثا إنك لم تتق الله فبانت منك امرأتك ولا أرى لك مخرجا أي لا رجعة لك وقيل إنها على العموم أي من يتق الله في أقواله وأفعاله يجعل له مخرجا من كرب الدنيا والآخرة وقد روى هذا أيضا عن ابن عباس وهذا أرجح لخمسة أوجه أحدها حمل اللفظ على عمومه فيدخل في ذلك الطلاق وغيره الثاني أنه روى أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي وذلك أنه أسر ولده وضيق عليه رزقه فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالتقوى فلم يلبث إلا يسيرا وانطلق ولده ووسع الله رزقه والثالث أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأها فقال مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة والرابع روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * الآية فما زال يقرؤها ويعيدها الخامس قوله ويرزقه من حيث لا يحتسب فإن هذا لا يناسب الطلاق وإنما يناسب التقوى على العموم قال بعض العلماء الرزق على نوعين رزق مضمون لكل حي طول عمره وهو الغذاء الذي تقوم به الحياة وإليه الإشارة بقوله وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ورزق موعود للمتقين خاصة وهو المذكور في هذه الآية * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) * أي كافيه بحيث لا يحتاج معه إلى غيره وقد تكلمنا على التوكل في آل عمران * (إن الله بالغ أمره) * أي يبلغ ما يريد ولا يعجزه شئ هذا حض على التوكل وتأكيد له لأن العبد إذا تحقق أن الأمور كلها بيد الله توكل عليه وحده ولم يعول على سواه " قد جعل الله لكل شئ قدرا " أي مقدارا معلوما ووقتا محدودا " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهم ثلاثة أشهر " روي أنه لما نزل قوله والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قالوا يا رسول الله فما عدة من لاقرء لها من صغر أو كبر فنزلت هذه الآية معلمة أن المطلقة إذا كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر فقوله اللائي يئسن من المحيض يعني التي انقطعت حيضتها لكبر سنها وقوله * (واللائي لم يحضن) * يعني الصغيرة التي لم تبلغ المحيض وهو معطوف على اللائي يئسن أو مبتدأ وخبره محذوف تقديره واللائي لم يحضن كذلك وقوله * (إن ارتبتم) * هو من الريب بمعنى الشك وفي معناه قولان أحدهما إن ارتبتم في حكم عدتها فاعلموا أنها ثلاثة أشهر والآخر إن ارتبتم في حيضها هل انقطع أو لم ينقطع فهي على التأويل الأول في التي انقطعت حيضها لكبر سنها حسبما ذكرنا وهو الصحيح وهي
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»