قال ذلك تهمما بالتجارة إذ كانت أهم وكانت هي سبب اللهو ولم يكن سببها قاله ابن عطية * (وتركوك قائما) * اختلفوا في القيام في الخطبة هل هو واجب أم لا وإذا قلنا بوجوبه فهل هو شرط فيها أم لا فمن أوجبه واشترطه أخذ بظاهر الآية من ذكر القيام ومن لم يوجبه رأى أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لم يكن على الوجوب ومذهب مالك أن من سنة الخطبة الجلوس قبلها والجلوس بين الخطبتين وقال أبو حنيفة لا يجلس بين الخطبتين لظاهر الآية وذكر القيام فيها دون الجلوس وحجة مالك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم * (قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة) * إن قيل لم قدم اللهو هنا على التجارة وقدم التجارة قبل هذا على اللهو فالجواب أن كل واحد من الموضعين جاء على ما ينبغي فيه وذلك أن العرب تارة يبتدؤن بالأكثر ثم ينزلون إلى الأقل كقولك فلان يخون في الكثير والقليل فبدأت بالكثير ثم أردفت عليه الخيانة فيما دونه وتارة يبتدؤن بالأفل ثم يرتقون إلى الأكثر كقولك فلان أمين على القليل والكثير فبدأت بالقليل ثم أردفت عليه الأمانة فيما هو أكثر منه ولو عكست في كل واحد من المثالين لم يكن حسنا فإنك لو قدمت في الخيانة القليل لعلم أنه يخون في الكثير من باب أولى وأحرى ولو قدمت في الأمانة ذكر الكثير لعلم أنه أمين في القليل من باب أولى وأحرى فلم يكن لذكره بعد ذلك فائدة وكذلك قوله إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها قدم التجارة هنا ليبين أنهم ينفضون إليها وأنهم مع ذلك ينفضون إلى اللهو الذي هو دونها وقوله خير من اللهو ومن االتجارة قدم اللهو ليبين أن ما عند الله خير من اللهو وأنه أيضا خير من التجارة التي هي أعظم منه ولو عكس كل واحد من الموضعين لم يحسن سورة المنافقون * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله) * كانوا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فلذلك كذبهم الله بقوله " والله يعلم إن المنافقين لكاذبون " أي كذبوا في دعواهم الشهادة بالرسالة وأما قوله والله يعلم إنك لرسوله فليس من كلام المنافقين وإنما هو من كلام الله تعالى ولو لم يذكره لكان يوهم أن قوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون إبطال للرسالة فوسطه بين حكاية المنافقين وبين تكذيبهم ليزيل هذا الوهم وليحقق الرسالة وعلى هذا ينبغي أن يوقف على قوله لرسول الله * (جنة) * ذكر في المجادلة * (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا) * الإشارة إلى سوء عملهم وفضيحتهم وتوبيخهم وأما قوله آمنوا ثم كفروا فيحتمل وجهين أحدهما أن يكون
(١٢١)