آخر: " فليس له اليوم هاهنا حمم. ولا طعام إلا من غسلين " (1) [الحاقة: 35 - 36]. وقال هنا: " إلا من ضريع " وهو غير الغسلين. ووجه الجمع أن النار دركات، فمنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد. قال الكلبي: الضريع في درجة ليس فيها غيره، والزقوم في درجة أخرى. ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال: " يطوفون بينها وبين حميم آن " (2) [الرحمن: 44]. القتبي: ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار، أو من جوهر لا تأكله النار. وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها، ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار. قال:
وإنما دلنا الله على الغائب عنده، بالحاضر عندنا، فالأسماء متفقة الدلالة، والمعاني مختلفة.
وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها. القشيري: وأمثل من قول القتبي أن نقول: إن الذي يبقى الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب، يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار، ليعذب بها الكفار. وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار، ولا أنهم يأكلونه. فالضريع من أقوات الانعام، لا من أقوات الناس. وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع، وهلكت هزلا، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم، وضرب الضريع له مثلا، أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع. قال الترمذي الحكيم: وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنئ، كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة الله تعالى، وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار، جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا، فلا النار تحرق الشجر، ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار، فقال تعالى: " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " (3) [يس: 80]. وكما قيل حين نزلت " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم " (4) [الاسراء: 97]: قالوا يا رسول الله، كيف يمشون على وجوههم؟ فقال: [الذي