وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: " الوسواس الخناس " وجهين:
أحدهما - أنه الراجع بالوسوسة عن الهدى. الثاني: أنه الخارج بالوسوسة من اليقين.
قوله تعالى: الذي يوسوس في صدور الناس (5) قال مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير، يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، سلطه الله على ذلك، فذلك قوله تعالى: " الذي يوسوس في صدور الناس ". وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: [إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم]. وهذا يصحح ما قاله مقاتل. وروى شهر بن حوشب عن أبي ثعلبة الخشني قال: سألت الله أن يريني الشيطان ومكانه من ابن آدم فرأيته، يداه في يديه، ورجلاه في رجليه، ومشاعبه في جسده، غير أن له خطما كخطم الكلب، فإذا ذكر الله خنس ونكس، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه. فعلى، ما وصف أبو ثعلبة أنه متشعب في الجسد، أي في كل عضو منه شعبة. وروي عن عبد الرحمن بن الأسود أو غيره من التابعين أنه قال - وقد كبر سنه -: ما أمنت الزنى وما يؤمنني أن يدخل الشيطان ذكره فيوتده! فهذا القول ينبئك أنه متشعب في الجسد، وهذا معنى قول مقاتل. ووسوسته: هو الدعاء لطاعته بكلام خفي، يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت.
قوله تعالى: من الجنة والناس (6) أخبر أن الموسوس قد يكون من الناس. قال الحسن: هما شيطانان، أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الانس فيأتي علانية. وقال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الانس شياطين، فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن. وروي عن أبي ذر أنه قال لرجل: هل تعوذت بالله من شياطين الانس؟ فقال: أو من الانس شياطين؟ قال:
نعم، لقوله تعالى: " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين (1) الإنس والجن " [الانعام: 112]... الآية. وذهب قوم إلى أن الناس هنا يراد به الجن. سموا ناسا كما سموا رجالا في قوله: " وأنه كان رجال من