قال ابن سيرين: جمع أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة، وهم الذين سموها الجمعة، وذلك أنهم قالوا: إن لليهود يوما يجتمعون فيه، في كل سبعة أيام يوم وهو السبت. وللنصارى يوم مثل ذلك وهو الأحد فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوما لنا نذكر الله ونصلي فيه - ونستذكر - أو كما قالوا - فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم العروبة. فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة (أبو أمامة رضي الله عنه) فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا. فذبح لهم أسعد شاة فتعشوا وتغدوا منها لقلتهم. فهذه أول جمعه في الاسلام.
قلت: وروي أنهم كانوا اثني عشر رجلا على ما يأتي. وجاء في هذه الرواية: أن الذي جمع بهم وصلى أسعد بن زرارة، وكذا في حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب على ما يأتي. وقال البيهقي: وروينا عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري أن مصعب ابن عمير كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: يحتمل أن يكون مصعب جمع بهم بمعونة أسعد بن زرارة فأضافه كعب إليه. والله أعلم.
وأما أول جمعة جمعها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال أهل السير والتواريخ:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا حتى نزل بقباء، على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى. ومن تلك السنة يعد التاريخ. فأقام بقباء إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم. ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا، فجمع بهم وخطب. وهي أول خطبة خطبها بالمدينة، وقال فيها: (الحمد لله. أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفر به. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسول، أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع