وهو قولهم: " يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون (1) " [الحجر: 6] فأنزل الله تعالى ردا عليهم وتكذيبا لقولهم " ما أنت بنعمة ربك بمجنون " أي برحمة ربك. والنعمة ها هنا الرحمة. ويحتمل ثانيا - أن النعمة ها هنا قسم، وتقديره: ما أنت ونعمة ربك بمجنون، لان الواو والباء من حروف القسم. وقيل هو كما تقول: ما أنت بمجنون، والحمد لله. وقيل: معناه ما أنت بمجنون، والنعمة لربك، كقولهم: سبحانك اللهم وبحمدك، أي والحمد لله. ومنه قول لبيد:
وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي * وفارقني جار بأربد نافع أي وهو أربد. (2) وقال النابغة:
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم * طفحت عليك بناتق مذكار أي هو ناتق. والباء في " بنعمة ربك " متعلقة " بمجنون " منفيا، كما يتعلق بغافل مثبتا.
كما في قولك: أنت بنعمة ربك غافل. ومحله النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك. (وإن لك لاجرا) أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة. (غير ممنون) أي غير مقطوع ولا منقوص، يقال: مننت الحبل إذا قطعته. وحبل منين إذا كان غير متين.
قال الشاعر:
* غبسا كواسب لا يمن طعامها (3) * أي لا يقطع. وقال مجاهد: " غير ممنون " محسوب. الحسن: " غير ممنون " غير مكدر بالمن. الضحاك: أجرا بغير عمل. وقيل: غير مقدر وهو التفضل، لان الجزاء مقدر والتفضل غير مقدر، ذكره الماوردي، وهو معنى قول مجاهد.