والأصعر: المعرض بوجهه كبرا، وأراد رذالة الناس الذين لا دين لهم. وفي الحديث:
(كل صعار ملعون) أي كل ذي أبهة وكبر.
الثانية - معنى الآية: ولا تمل خدك للناس كبرا عليهم وإعجابا واحتقارا لهم.
وهذا تأويل ابن عباس وجماعة. وقيل: هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره، فالمعنى: أقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا، وإذا حدثك أصغرهم فاصغ إليه حتى يكمل حديثه. وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.
قلت: ومن هذا المعنى (1) ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث). فالتدابر الاعراض وترك الكلام والسلام ونحوه.
وإنما قيل للاعراض تدابر لان من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك، وكذلك يصنع هو بك. ومن أحببته أقبلت عليه بوجهك وواجهته لتسره ويسرك، فمعنى التدابر موجود فيمن صعر خده، وبه فسر مجاهد الآية. وقال ابن خويز منداد: قوله: " ولا تصاعر خدك للناس " كأنه نهى أن يذل الانسان نفسه من غير حاجة، ونحو ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس للانسان أن يذل نفسه).
الثالثة - قوله تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحا) أي متبخترا متكبرا، مصدر في موضع الحال، وقد مضى في " سبحان ". وهو النشاط والمشي فرحا في غير شغل وفي غير حاجة. وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء، فالمرح مختال في مشيته. روى يحيى ابن جابر الطائي عن ابن عائذ الأزدي عن غضيف بن الحارث قال: أتيت بيت المقدس أنا و عبد الله بن عبيد بن عمير (3) قال: فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي فسمعته يقول: إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول: يا بن آدم ما غرك بي! ألم تعلم أني بيت الوحدة! ألم تعلم أني بيت الظلمة! ألم تعلم أني بيت الحق! يا بن آدم ما غرك بي! لقد كنت تمشي حولي