على رجل ينبئكم " فنكروه لهم وعرضوا عليهم الدلالة عليه، كما يدل على مجهول في أمر مجهول.
قلت: كانوا يقصدون بذلك الطنز (1) والهزؤ والسخرية، فأخرجوه مخرج التحكي (2) ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي، متجاهلين به وبأمره. و " إذا " في موضع نصب والعامل فيها " مزقتم " قاله النحاس. ولا يجوز أن يكون العامل فيها " ينبئكم "، لأنه ليس يخبرهم ذلك الوقت. ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما بعد " إن "، لأنه لا يعمل فيما قبله، وألا يتقدم عليها ما بعدها ولا معمولها. وأجاز الزجاج أن يكون العامل فيها محذوفا، التقدير: إذا مزقتم كل ممزق بعثتم، أو ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم. المهدوي:
ولا يعمل فيه " مزقتم "، لأنه مضاف إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. وأجازه بعضهم على أن يجعل " إذا " للمجازاة، فيعمل فيها حينئذ ما بعدها لأنها غير مضافة إليه.
وأكثر ما تقع " إذا " للمجازاة في الشعر. ومعنى " مزقتم كل ممزق " فرقتم كل تفريق.
والمزق خرق الأشياء، يقال: ثوب مزيق وممزوق ومتمزق وممزق.
قوله تعالى: أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد (8) قوله تعالى: (أفترى على الله كذبا) لما دخلت ألف الاستفهام استغنيت عن ألف الوصل فحذفتها، وكان فتح ألف الاستفهام فرقا بينها وبين ألف الوصل. وقد مضى هذا في سورة " مريم " عند قوله تعالى: " أطلع الغيب " (3) [مريم: 78] مستوفى. (أم به جنة) هذا مردود على ما تقدم من قول المشركين، والمعنى: قال المشركون " افترى على الله كذبا ". والافتراء الاختلاق. " أم به جنة " أي جنون، فهو يتكلم بما لا يدري. ثم رد عليهم فقال:
(بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) أي ليس الامر كما قالوا، بل هو أصدق الصادقين، ومن ينكر البعث فهو غدا في العذاب، واليوم في الضلال عن الصواب، إذ صاروا إلى تعجيز الاله ونسبة الافتراء إلى من أيده الله بالمعجزات.