جميع ما في الأرض، وعهد الله إليه عهدا فيه أمره ونهيه وحله وحرامه، وزعم أنه أمره أن يعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال، فما تصنع السماوات والأرض والجبال بالحلال والحرام؟ وما التسليط (1) على الانعام والطير والوحش! وكيف إذا عرضه على ولده فقبله في أعناق ذريته من بعده. وفي مبتدأ الخبر في التنزيل أنه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال حتى ظهر الاباء منهم، ثم ذكر أن الانسان حصلها، أي من قبل نفسه لا أنه حمل ذلك، فسماه " ظلوما " أي لنفسه، " جهولا " بما فيها. وأما الآثار التي هي بخلاف ما ذكر، فحدثني أبي رحمه الله قال حدثنا الفيض بن الفضل الكوفي حدثنا السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: لما خلق الله الأمانة مثلها صخرة، ثم وضعها حيث شاء ثم دعا لها السماوات والأرض والجبال ليحملنها، وقال لهن:
إن هذه " الأمانة "، ولها ثواب وعليها عقاب، قالوا: يا رب، لا طاقة لنا بها، وأقبل الانسان من قبل أن يدعي فقال للسموات والأرض والجبال: ما وقوفكم؟ قالوا: دعانا ربنا أن نحمل هذه فأشفقن منها ولم نطقها، قال: فحركها بيده وقال: والله لو شئت أن أحملها لحملتها، فحملها حتى بلغ بها إلى ركبتيه، ثم وضعها وقال: والله لو شئت أن أزداد لزددت، قالوا:
دونك! فحملها حتى بلغ بها حقويه (2)، ثم وضعها وقال: والله لو شئت أن أزداد لزددت، قالوا:
دونك، فحملها حتى وضعها على عاتقه، فلما أهوى ليضعها، قالوا: مكانك! إن هذه " الأمانة " ولها ثواب وعليها عقاب وأمرنا ربنا أن نحملها فأشفقن منها، وحملتها أنت من غير أن تدعى لها، فهي في عنقك وفي أعناق ذريتك إلى يوم القيامة، إنك كنت ظلوما جهولا. وذكر أخبارا عن الصحابة والتابعين تقدم أكثرها. " وحملها الانسان " أي التزم القيام بحقها، وهو في ذلك ظلوم لنفسه. وقال قتادة: للأمانة، جهول بقدر ما دخل فيه. وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير. وقال الحسن: جهول بربه. قال: ومعنى " حملها " خان فيها. وقال الزجاج والآية في الكافر والمنافق والعصاة على قدرهم على هذا التأويل. وقال ابن عباس وأصحابه