الخامسة - الامر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الارشاد إلى المصلحة، فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبه في نكاحها. ومما يدل على أن الامر على جهة الارشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل). فقوله: (فإن استطاع فليفعل) لا يقال مثله في الواجب. وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر. وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم، للأحاديث الصحيحة، وقوله تعالى: " ولو أعجبك حسنهن ". وقال سهل بن أبي حثمة: رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك على إجار من أجاجير المدينة فقلت له: أتفعل هذا؟ فقال نعم! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها).
الأجار: السطح، بلغة أهل الشام والحجاز. قال أبو عبيد: وجمع الأجار أجاجير وأجاجرة.
السادسة - اختلف فيما يجوز أن ينظر منها، فقال مالك: ينظر إلى وجهها وكفيها، ولا ينظر إلا بإذنها. وقال الشافعي وأحمد: بإذنها وبغير إذنها إذا كانت مستترة. وقال الأوزاعي: ينظر إليها ويجتهد وينظر مواضع اللحم منها. قال داود: ينظر إلى سائر جسدها، تمسكا بظاهر اللفظ. وأصول الشريعة ترد عليه في تحريم الاطلاع على العورة. والله أعلم.
السابعة - قوله تعالى: (إلا ما ملكت يمينك) اختلف العلماء في إحلال الأمة الكافرة للنبي صلى الله عليه وسلم على قولين: تحل لعموم قوله: " إلا ما ملكت يمينك "، قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم. قالوا: قوله تعالى " لا يحل لك النساء من بعد " أي لا تحل لك النساء من غير المسلمات، فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك، أي لا يحل لك أن تتزوج كافرة فتكون أما للمؤمنين ولو أعجبك حسنها، إلا ما ملكت يمينك، فإن له أن يتسرى بها. القول الثاني - لا تحل، تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة، وقد قال الله تعالى: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " (1) [الممتحنة: 10] فكيف به صلى الله عليه وسلم.