ويا أيها النبي لم تحرم إلى رأس العشر، وإذا زلزلت، وإذا جاء نصر الله، هؤلاء السور نزلن بالمدينة، وسائر القرآن بمكة.
قال أبو بكر: فمن عمل على ترك الأثر والإعراض عن الإجماع ونظم السور على منازلها بمكة والمدينة، لم يدر أين تقع الفاتحة، لاختلاف الناس في موضع نزولها، ويضطر إلى تأخير الآية التي في رأس خمس وثلاثين ومائتين من البقرة إلى رأس الأربعين، ومن أفسد نظم القرآن فقد كفر به، ورد على محمد صلى الله عليه وسلم ما حكاه عن ربه تعالى. وقد قيل إن علة تقديم المدني على المكي هو أن الله تعالى خاطب العرب بلغتها، وما تعرف من أفانين خطابها ومحاورتها، فلما كان فن من كلامهم مبنيا على تقديم المؤخر وتأخير المقدم خوطبوا بهذا المعنى في كتاب الله تعالى الذي لو فقدوه من القرآن لقالوا: ما باله عرى من هذا الباب الموجود في كلامنا المستحلى من نظامنا. قال عبيد بن الأبرص:
أن بدلت منهم وحوشا * وغيرت حالها الخطوب - عيناك دمعهما سروب * كأن شأنيهما شعيب أراد عيناك دمعهما سروب لأن تبدلت من أهلها وحوشا، فقدم المؤخر وأخر المقدم، ومعنى سروب: منصب على وجه الأرض. ومنه للذاهب على وجهه في الأرض، قال الشاعر (1):
* أني سربت وكنت غير سروب * وقوله: شأنيهما، الشأن واحد الشؤون، وهي مواصل الرأس وملتقاها، ومنها يجئ الدمع. شعيب: متفرق.