فإن قيل: إذا جاز للراوي الأول تغيير ألفاظ الرسول عليه السلام جاز للثاني تغير ألفاظ الأول ويؤدي ذلك إلى طمس الحديث بالكلية لدقة الفروق وخفائها. قيل له: الجواز مشروط بالمطابقة والمساواة كما ذكرنا فإن عدمت لم يجز. قال ابن العربي: الخلاف في هذه المسألة إنما يتصور بالنظر إلى عصر الصحابة والتابعين لتساويهم في معرفة اللغة الجبلية الذوقية وأما من بعدهم فلا نشك في أن ذلك لا يجوز إذ الطباع قد تغيرت والفهوم قد تباينت والعوائد قد اختلفت وهذا هو الحق. والله أعلم.
قال بعض علمائنا: لقد تعاجم ابن العربي رحمه الله فإن الجواز إذا كان مشروطا بالمطابقة فلا فرق بين زمن الصحابة والتابعين وزمن غيرهم ولهذا لم يفصل أحد من الأصوليين ولا أهل الحديث هذا التفصيل. نعم لو قال: المطابقة في زمنه أبعد كان أقرب والله أعلم.
السابعة - قوله تعالى: (نغفر لكم خطاياكم) قراءة نافع بالياء مع ضمها. وابن عامر بالتاء مع ضمها وهي قراءة مجاهد. وقرأها الباقون بالنون مع نصبها وهي أبينها لان قبلها " وإذ قلنا ادخلوا " فجرى " نغفر " على الاخبار عن الله تعالى والتقدير وقلنا ادخلوا الباب سجدا نغفر ولأن بعده " وسنزيد " بالنون. و " خطاياكم " أتباعا للسواد وأنه على بابه. ووجه من قرأ بالتاء أنه أنث لتأنيث لفظ الخطايا لأنها جمع خطيئة على التكسير. ووجه القراءة بالياء أنه ذكر لما حال بين المؤنث وبين فعله على ما تقدم في قوله " فتلقى آدم من ربه كلمات " [البقرة: 37]. وحسن الياء والتاء وإن كان قبله إخبار عن الله تعالى في قوله " وإذ قلنا " لأنه قد علم أن ذنوب الخاطئين لا يغفرها إلا الله تعالى فاستغنى عن النون ورد الفعل إلى الخطايا المغفورة.
الثامنة - واختلف في أصل خطايا جمع خطيئة بالهمزة فقال الخليل: الأصل في خطايا أن يقول: خطايئ ثم قلب فقيل: خطائي بهمزة بعدها ياء ثم تبدل من الياء ألفا بدلا لازما فتقول: خطاءا فلما اجتمعت ألفان بينهما همزة والهمزة من جنس الألف صرت كأنك جمعت بين ثلاث ألفات فأبدلت من الهمزة ياء فقلت: خطايا. وأما سيبويه فمذهبه أن الأصل مثل الأول خطايئ ثم وجب بهذه أن تهمز الياء كما همزتها في مدائن فتقول: