فهم يؤمنون أن لهم ربا قادرا يجازي على الأعمال، فهم يخشونه في سرائرهم وخلواتهم التي يغيبون فيها عن الناس، لعلمهم باطلاعه عليهم، وعلى هذا تتفق الآي ولا تتعارض، والحمد لله.
وقيل: " بالغيب " أي بضمائرهم وقلوبهم بخلاف المنافقين، وهذا قول حسن. وقال الشاعر:
وبالغيب أمنا وقد كان قومنا * يصلون للأوثان قبل محمد الرابعة - قوله تعالى: (ويقيمون الصلاة) معطوف جملة على جملة. وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها، على ما يأتي بيانه. يقال: قام الشئ أي دام وثبت، وليس من القيام على الرجل، وإنما هو من قولك: قام الحق أي ظهر وثبت، قال الشاعر:
* وقامت الحرب بنا على ساق * وقال آخر:
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا * حتى تقيم الخيل سوق طعان وقيل: " يقيمون " يديمون، وأقامه أي أدامه، وإلى هذا المعنى أشار عمر بقوله:
من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
الخامسة - إقامة الصلاة معروفة، وهي سنة عند الجمهور، وأنه لا إعادة على تاركها.
وعند الأوزاعي وعطاء ومجاهد وابن أبي ليلى هي واجبة وعلى من تركها الإعادة، وبه قال أهل الظاهر، وروى عن مالك، واختاره ابن العربي قال: لان في حديث الأعرابي (وأقم) فأمره بالإقامة كما أمره بالتكبير والاستقبال والوضوء.
قال: فأما أنتم الآن وقد وقفتم على الحديث فقد تعين عليكم أن تقولوا بإحدى روايتي مالك الموافقة للحديث وهي أن الإقامة فرض. قال ابن عبد البر قوله صلى الله عليه وسلم:
(وتحريمها التكبير) دليل على أنه لم يدخل في الصلاة من لم يحرم، فما كان قبل الاحرام فحكمه ألا تعاد منه الصلاة إلا أن يجمعوا على شئ فيسلم للاجماع كالطهارة والقبلة والوقت ونحو ذلك. وقال بعض علمائنا: من تركها عمدا أعاد الصلاة، وليس ذلك لوجوبها إذ لو كان ذلك لاستوى سهوها وعمدها، وإنما ذلك للاستخفاف بالسنن، والله أعلم.