قيل لعبد الله بن مسعود: لم لم تكتب فاتحة الكتاب في مصحفك؟ قال: لو كتبتها لكتبتها مع كل سورة. قال أبو بكر: يعني أن كل ركعة سبيلها أن تفتتح بأم القرآن قبل السورة المتلوة بعدها، فقال: اختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لها، ولم أثبتها في موضع فيلزمني أن أكتبها مع كل سورة، إذ كانت تتقدمها في الصلاة.
الثانية: اختلفوا أهي مكية أم مدنية؟ فقال ابن عباس وقتادة وأبو العالية الرياحي - واسمه رفيع - وغيرهم: هي مكية. وقال أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري وغيرهم: هي مدنية. ويقال: نزل نصفها بمكة، ونصفها بالمدينة. حكاه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي في تفسيره. والأول أصح لقوله تعالى: " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " [الحجر: 87] والحجر مكية بإجماع. ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة. وما حفظ أنه كان في الاسلام قط صلاة بغير " الحمد لله رب العالمين "، يدل على هذا قوله عليه السلام: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب). وهذا خبر عن الحكم، لا عن الابتداء، والله أعلم.
وقد ذكر القاضي ابن الطيب اختلاف الناس في أول ما نزل من القرآن، فقيل: المدثر، وقيل: اقرأ، وقيل: الفاتحة. وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: (إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا) قالت: معاذ الله! ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث. فلما دخل أبو بكر - وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم - ذكرت خديجة حديثه له، قالت: يا عتيق، اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل.
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده، فقال: أنطلق بنا إلى ورقة، فقال:
(ومن أخبرك). قال: خديجة، فانطلقا إليه فقصا عليه، فقال: (إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض) فقال: لا تفعل، إذا أتاك فأثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني. فلما خلا ناداه: يا محمد، قل " بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين -