ما يعطي لقارئ أم القرآن، إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه، وهو فضل منه لهذه الأمة. قال ومعنى قوله: (أعظم سورة) أراد به في الاجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض. وقال قوم بالتفضيل، وأن ما تضمنه قوله تعالى " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " [البقرة: 163] وآية الكرسي، وآخر سورة الحشر، وسورة الاخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في " تبت يدا أبي لهب " [المسد: 1] وما كان مثلها.
والتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها، لا من حيث الصفة، وهذا هو الحق. وممن قال بالتفضيل إسحاق بن راهويه (1) وغيره من العلماء والمتكلمين، وهو اختيار القاضي أبي بكر بن العربي وابن الحصار، لحديث أبي سعيد بن المعلى وحديث أبي بن كعب أنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبي أي آية معك في كتاب الله أعظم) قال فقلت:
" الله لا إله إلا هو الحي القيوم " [البقرة: 255]. قال: فضرب في صدري وقال: (ليهنك العلم يا أبا المنذر) أخرجه البخاري ومسلم.
قال ابن الحصار: عجبي ممن يذكر الاختلاف مع هذه النصوص.
وقال ابن العربي: قوله: (ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها) وسكت عن سائر الكتب، كالصحف المنزلة والزبور وغيرها، لان هذه المذكورة أفضلها، وإذا كان الشئ أفضل الأفضل، صار أفضل الكل. كقولك: زيد أفضل العلماء فهو أفضل الناس.
وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها، حتى قيل: إن جميع القرآن فيها. وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن. ومن شرفها أن الله سبحانه قسمها بينه وبين عبده، ولا تصح القربة إلا بها، ولا يلحق عمل بثوابها، وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم،