أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٠٦
بواجب ولا محظور ولا مباح. فأما الواجب فهو قتل أهل الحرب المحاربين لنا قبل أن يصيروا في أيدينا بالأسر أو بالأمان أو العهد، وذلك في الرجال منهم دون النساء اللاتي لا يقاتلن ودون الصغار الذين لا يقاتلون، وقتل المحاربين إذا خرجوا ممتنعين وقتلوا وصاروا في يد الإمام قبل التوبة، وقتل أهل البغي إذا قاتلونا، وقتل من قصد إنسانا محظور الدم بالقتل فعلينا قتله، وقتل الساحر والزاني المحصن رجما، وكل قتل وجب على وجه الحد، فهذه ضروب القتل الواجب. وأما المباح فهو القتل الواجب لولي الدم على وجه القود، فهو مخير بين القتل والعفو، فالقتل ههنا مباح ليس بواجب، وكذلك قتل أهل الحرب إذا صاروا في أيدينا، فالإمام مخير بين القتل والاستبقاء، وكذلك من دخل دار الحرب وأمكنه القتل والأسر فهو مخير بين أن يقتل وبين أن يأسر. وأما المحظور فإنه ينقسم إلى أنحاء: منها ما يجب فيه القود، وهو قتل المسلم عمدا في دار الاسلام العاري من الشبهة، فعلى القاتل القود في ذلك، ومنها ما تجب فيه الدية دون القود، وهو قتل شبه العمد وقتل الأب ابنه وقتل الحربي المستأمن والمعاهد وما يدخله الشبهة فيسقط القود وتجب الدية، ومنها ما لا يجب فيه شئ، وهو قتل المسلم في دار الحرب قبل أن يهاجر وقتل الأسير في دار الحرب من المسلمين على قول أبي حنيفة وقتل المولى لعبده، هذه ضروب من القتل محظورة ولا يجب على القاتل فيها شئ غير التعزير. وأما ما ليس بواجب ولا مباح ولا محظور فهو قتل المخطئ والساهي والنائم والمجنون والصبي، وقد بينا حكمه فيما سلف.
قوله تعالى: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة)، قال ابن عباس والشعبي وقتادة والزهري: " هو الرجل من أهل الذمة يقتل خطأ فتجب على قاتله الدية والكفارة "، وهو قول أصحابنا. وقال إبراهيم والحسن وجابر بن زيد: " أراد وإن كان المؤمن المقتول من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية وتحرير رقبة، وكانوا لا يوجبون الكفارة على قاتل الذمي "، وهو مذهب مالك. وقد بينا فيما سلف أن ظاهر الآية يقتضي أن يكون المقتول المذكور في الآية كافرا ذا عهد وأنه غير جائز إضمار الإيمان له إلا بدلالة، ويدل عليه أنه لما أراد مؤمنا من أهل دار الحرب ذكر الإيمان فقال: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) فوصفه بالإيمان، لأنه لو أطلق لاقتضى الإطلاق أن يكون كافرا من قوم عدو لنا، ويدل عليه أن الكافر المعاهد تجب على قاتله الدية، وذلك مأخوذ من الآية، فوجب أن يكون المراد الكافر المعاهد، والله أعلم.
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»