المال بدلا من نفس الحر كانت معلومة المقدار عندهم وهي مائة من الإبل، فمتى أطلقت كان من مفهوم اللفظ هذا القدر، فإطلاق لفظ الدية قد أنبأ عن هذا المعنى، وعطفها على الدية المتقدمة مع تساوي اللفظ فيهما بأنها دية مسلمة قد اقتضى ذلك أيضا، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
باب المسلم يقيم في دار الحرب فيقتل قبل أن يهاجر إلينا قال الله تعالى: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة). روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن) قال: " يكون الرجل مؤمنا وقومه كفار فلا دية له ولكن عتق رقبة مؤمنة ".
قال أبو بكر: هذا محمول على الذي يسلم في دار الحرب فيقتل قبل أن يهاجر إلينا، لأنه غير جائز أن يكون مراده في المؤمن في دار الاسلام إذا قتل وله أقارب كفار، لأنه لا خلاف بين المسلمين أن على قاتله الدية لبيت المال، وأن كون أقربائه كفارا لا يوجب سقوط ديته لأنهم بمنزلة الأموات حيث لا يرثونه.
وروى عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس: (فإن كان من قوم عدو لكم) الآية، قال: " كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يرجع إلى قومه فيكون فيهم فيصيبه المسلمون خطأ في سرية أو غزاة، فيعتق الذي يصيبه رقبة ". قال أبو بكر: إذا أسلم في دار الاسلام لم تسقط ديته برجوعه إلى دار الحرب كسائر المسلمين، لأن ما بينه وبين المشركين من القرابة لا تأثير له في اسقاط قيمة دمه، كسائر أهل دار الاسلام إذا دخلوا دار الحرب بأمان على القاتل الدية. وروي عن أبي عياض مثل ما روي عن ابن عباس. وقال قتادة: " هو المسلم يكون في المشركين فيقتله المؤمن ولا يدري ففيه عتق رقبة وليس فيه دية ". وهذا على أنه يقتل قبل الهجرة إلى دار الاسلام. وروى مغيرة عن إبراهيم: (فإن كان من قوم عدو لكم) قال: " هو المؤمن يقتل وقومه مشركون ليس بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فعليه تحرير رقبة، وإن كان بينهم وبين النبي عليه السلام عهد أدى ديته إلى قرابته الذين بينهم وبين النبي عليه السلام عهد ". قال أبو بكر: وهذا لا معنى له، من قبل أن أقرباءه لا يرثونه لأنهم كفار وهو مسلم، فكيف يأخذون ديته! وإن كان قومه أهل حرب وهو من أهل دار الاسلام فالدية واجبة لبيت المال كمسلم قتل في دار الاسلام ولا وارث له.
وقد اختلف فقهاء الأمصار فيمن قتل في دار الحرب وهو مؤمن قبل أن يهاجر، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف في الرواية المشهورة ومحمد في الحربي يسلم فيقتله مسلم