أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٠٥
الاسلام إذ كان من أهل ديارهم، ودل ذلك على أن لا قيمة لدمه.
وأما قول الحسن بن صالح في أن المسلم إذا لحق بدار الحرب فهو مرتد، فإنه خلاف الكتاب والإجماع، لأن الله تعالى قال: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) [الأنفال: 72] فجعلهم مؤمنين مع إقامتهم في دار الحرب بعد إسلامهم، وأوجب علينا نصرتهم بقوله: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) [الأنفال: 72]، ولو كان ما قال صحيحا لوجب أن لا يجوز للتجار دخول دار الحرب بأمان وأن يكونوا بذلك مرتدين، وليس هذا قول أحد.
فإن احتج محتج بما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إسماعيل بن الفضل وعبدان المروزي قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي إسحاق عن الشعبي عن جرير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا أبق العبد إلى المشركين فقد حل دمه " فإن هذا محمول عندنا على أنه قد لحق بهم مرتدا عن الاسلام، لأن أباق العبد لا يبيح دمه، واللحاق بدار الحرب كدخول التاجر إليها بأمان فلا يبيح دمه.
مطلب: في حكم دم المسلم وماله إذا أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا وأما قول الشافعي في أن من أصاب مسلما في دار الحارب وهو لا يعلمه مسلما فلا شئ عليه، وإن علم بإسلامه أقيد به، فإنه متناقض من قبل أنه إذا ثبت أن لدمه قيمة لم يختلف حكم العمد والخطأ في وجوب بدله في العمد وديته في الخطأ، فإذا لم يجب في الخطأ شئ كذلك حكم العمد فيه. ولما ثبت بما قدمنا أنه لا قيمة لدم المقيم في دار الحرب بعد إسلامه قبل الهجرة إلينا وكان مبقي على حكم الحرب وإن كان محظور الدم أجروه أصحابنا مجرى الحربي في اسقاط الضمان عن متلف ماله، لأن دمه أعظم حرمة من ماله، ولا ضمان على متلف نفسه. فماله أحرى أن لا يجب فيه ضمان، وأن يكون كمال الحربي من هذا الوجه، ولذلك أجاز أبو حنيفة مبايعته على سبيل ما يجوز مبايعته الحربي من بيع الدرهم بالدرهمين في دار الحرب. وأما الأسير في دار الحرب فإن أبا حنيفة أجراه مجرى الذي أسلم هناك قبل أن يهاجر، وذلك لأن إقامته هناك لا على وجه الأمان وهو مقهور مغلوب، فلما استويا من هذا الوجه استوى حكمهما في سقوط الضمان عن قاتلهما، والله أعلم.
ذكر أقسام القتل وأحكامه قال أبو بكر: القتل ينقسم إلى أربعة أنحاء: واجب، ومباح، ومحظور، وما ليس
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»