أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٠٨
مؤمنة لم تجزه الكافرة لأنه أوجبها مقرونة بصفة هي قربة. وفي ذلك دليل على أن الصدقة على المسلمين أفضل منها على الكفار الذميين وإن كانت تطوعا، وكذلك جعل الله التتابع في صوم كفارة القتل صفة زائدة، ولا خلاف أنه لا يجزي إلا بهذه الصفة مع الإمكان، وكذلك قال أصحابنا فيمن أوجب صوم شهر متتابع أنه لا يجزيه التفريق لإيجابه إياه بصفة هي قربة، فوجبت حين أوجبها كما وجب المنذور من الصوم.
قوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين). قال أبو بكر: لم يختلف الفقهاء أنه إذا صام بالأهلة أنه لا يعتبر فيه النقصان، وأنها إن كانت ناقصة أو تامة أجزأته، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين "، فأمر باعتبار الشهور بالأهلة وأمر عند عدم الرؤية باعتبار الثلاثين، وإن ابتدأ صيام الشهرين من بعض الشهر اعتبر الشهر الثاني بالهلال وبقية الشهر الأول بالعدد تمام ثلاثين، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يعتبر الأهلة إلا أن يكون ابتداء صومه بالهلال، وروي نحوه عن الحسن البصري. والأول أصح، لأنه قد روي في معنى قوله: (فسبحوا في الأرض أربعة أشهر) [التوبة: 2] أنها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وبقية من ربيع الآخر، فاعتبر الكسر بالأيام على التمام وسائر الشهور بالأهلة، وقوله: (فصيام شهرين متتابعين) معلوم أنه كلفنا التتابع على حسب الإمكان، وفي العادة أن المرأة لا تخلو من حيض في كل شهر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: " تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء في كل شهر "، فأخبر أن عادة النساء حيضة في كل شهر، فإذا كان تكليف صوم التتابع على حسب الإمكان وكانت المرأة إذا كان عليها صوم شهرين متتابعين لم يكن في وسعها في العادة أن تصوم شهرين لا حيض فيهما، سقط حكم أيام الحيض ولم يقطع حكم التتابع وصارت أيام الحيض بمنزلة الليل الذي لا يقطع التتابع، وهو قول الشافعي. وروى عن إبراهيم أنها تستقبل. وقال أصحابنا: " إذا مرض في الشهرين فأفطر استقبل ". وقال مالك: " يصل ويجزيه "، وفرقوا بين الحيض والمرض، لأنه يمكنه في العادة صيام شهرين متتابعين بلا مرض ولا يمكنها ذلك بلا حيض. ووجه آخر، وهو
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»