أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٠٩
أن حدوث المرض لا يوجب الإفطار بل الإفطار بفعله، والحيض ينافي الصوم لا يفعلها، فأشبه الليل ولم يقطع التتابع.
قوله تعالى: (توبة من الله) قيل فيه: إن معناه اعملوا بما أوجبه الله للتوبة من الله، أي ليقبل الله توبتكم فيما اقترفتموه من ذنوبكم. وقيل إنه خاص في سبب القتل، فأمر بالتوبة منه. وقيل معناه: توسعة ورحمة من الله، كما قال: (فتاب عليكم وعفا عنكم) [البقرة: 187]، والمعنى: وسع عليكم وسهل عليكم.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) الآية. روي أن سبب نزول هذه الآية أن سرية للنبي صلى الله عليه وسلم لقيت رجلا ومعه غنيمات له، فقال: السلام عليكم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقتله رجل من القوم، فلما رجعوا أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: " لم قتلته وقد أسلم؟ " فقال: إنما قالها متعوذا من القتل، فقال: " هلا شققت عن قلبه! " وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته إلى أهله ورد عليهم غنيماته. قال ابن عمر وعبد الله بن أبي حدرد: القاتل محلم بن جثامة قتل عامر بن الأضبط الأشجعي. وروي أن القاتل مات بعد أيام، فلما دفن لفظته الأرض ثلاث مرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يريكم عظم الدم عنده " ثم أمر أن يلقى عليه الحجارة. وهذه القصة مشهورة لمحلم بن جثامة، وقد ذكرنا حديث أسامة بن زيد أنه قتل في سرية رجل قال لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قتلته بعد ما قال لا إله إلا الله! " فقال: إنما قالها تعوذا، فقال: " هلا شققت عن قلبه! من لك بلا إله إلا الله؟ " وذكرنا أيضا حديث عقبة بن مالك الليثي في هذا المعنى وأن الرجل قال: إني مسلم، فقتله، فأنكره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " إن الله أبى علي أن أقتل مؤمنا ". وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن الأسود، أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تقتله! " فقلت: يا رسول الله إنه قطع يدي، قال: " لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال: وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال: حدثنا المسعودي عن قتادة عن أبي مجلز عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرع أحدكم الرمح إلى الرجل فإن كان سنانه عند ثغرة نحره فقال لا إله إلا الله فليرجع عنه الرمح ". وقال أبو عبيدة: " جعل الله تعالى هذه الكلمة أمنة المسلم وعصمة ماله ودمه، وجعل الجزية أمنة
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»