أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣١٧
فإن قيل: روي عن يعلى بن أمية أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف نقصر وقدامنا وقال الله تعالى: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)؟ فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ". فهذا يدل على أن القصر المذكور في الآية هو القصر في عدد الركعات وأن ذلك كان مفهوما عندهم من معنى الآية. قيل له: لما كان اللفظ محتملا للمعنيين من أعداد ركعات الصلاة ومن صفتها على الوجه الذي بينا لم يمتنع أن يكون قد سبق في وهم عمر ويعلى بن أمية ما ذكر، وأن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القصر في حال الأمن لا على أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن قصر الآية هو في العدد فأجابه بما وصف، ولكنه جائز أن يكون قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف نقصر وقدامنا، من غير أن ذكر له تأويل الآية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يقصر في مغازيه ثم قصر في الحج في حال الأمن وزوال القتال، فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " يعني أن الله قد أسقط عنكم في السفر فرض الركعتين في حال الخوف والأمن جميعا. وقد روى عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة السفر أنها تمام غير قصر، فجائز أن يكون ظن بديا أن قصر الخوف هو في عدد الركعات، فلما سمعه يقول: " صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر " علم أن قصر الآية إنما هو في صفة الصلاة لا في عدد الركعات. وإذا صح بما وصفنا أن المراد بالقصر ما ذكرنا لم تكن في الآية دلالة على فرض المسافر ولا على أنه مخير بين الإتمام والقصر، إذ لا ذكر له في الآية.
وقد اختلف الفقهاء في فرض المسافر، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد:
" فرض المسافر ركعتان إلا صلاة المغرب فإنها ثلاث، فإن صلى المسافر أربعا ولم يقعد في الاثنتين فسدت صلاته، وإن قعد فيهما مقدار التشهد تمت صلاته، بمنزلة من صلى الفجر أربعا بتسليمة "، وهو قول الثوري. وقال حماد بن أبي سليمان: " إذا صلى أربعا أعاد ". وقال الحسن بن صالح: " إذا صلى أربعا متعمدا أعاد إذا كان ذلك منه الشئ اليسير، فإذا طال في سفره وكثر لم يعد " قال: " وإذا افتتح الصلاة على أن يصلي أربعا استقبل الصلاة حتى يبتدئها بالنية على ركعتين، وإن صلى ركعتين وتشهد ثم بدا له أن يتم فصلى أربعا أعاد، وإن نوى أن يصلي أربعا بعد ما افتتح الصلاة على ركعتين ثم بدا له فسلم في الركعتين أجزته ". وقال مالك: " إذا صلى المسافر أربعا فإنه يعيد ما دام في الوقت، فإذا مضى الوقت فلا إعادة عليه " قال: " ولو أن مسافرا افتتح المكتوبة ينوي أربعا فلما صلى ركعتين بدا له فسلم، أنه لا يجزيه، ولو صلى المسافر بمسافرين فقام في الركعتين فسبحوا به فلم يرجع فإنهم يقعدون ويتشهدون ولا يتبعونه ". وقال الأوزاعي:
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»