الكافر وعصمة ماله ودمه "، وهو نظير ما روي في آثار متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "، وفي بعضها: " وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "، رواه عمر وجرير بن عبد الله وابن عمر وأنس بن مالك وأبو هريرة. وقالوا لأبي بكر الصديق حين أراد قتل العرب لما امتنعوا من أداء الزكاة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم " فقال أبو بكر: إلا بحقها، وهذا من حقها، فاتفقت الصحابة على صحة هذا الخبر، وهو في معنى قوله تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا)، فحكم الله تعالى بصحة إيمان من أظهر الاسلام، وأمرنا بإجرائه على أحكام المسلمين وإن كان في المغيب على خلافه.
وهذا مما يحتج به في قبول توبة الزنديق متى أظهر الاسلام، لأن الله تعالى لم يفرق بين الزنديق وغيره إذا أظهر الاسلام، وهو يوجب أن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو قال إني مسلم، أنه يحكم له بحكم الاسلام، لأن قوله تعالى: (لمن ألقى إليكم السلم) إنما معناه: لمن استسلم فأظهر الانقياد لما دعي إليه من الاسلام. وإذا قرئ " السلام " فهو إظهار تحية الاسلام، وقد كان ذلك علما لمن أظهر به الدخول في الاسلام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قتل الرجل الذي قال أسلمت والذي قال لا إله إلا الله: " قتلته بعد ما أسلم؟ " فحكم له بالإسلام بإظهار هذا القول.
وقال محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير: " لو أن يهوديا أو نصرانيا قال أنا مسلم لم يكن بهذا القول مسلما، لأن كلهم يقولون نحن مسلمون ونحن مؤمنون ويقولون إن ديننا هو الإيمان وهو الاسلام، فليس في هذا دليل على الاسلام منهم "، وقال محمد: " ولو أن رجلا من المسلمين حمل على رجل من المشركين ليقتله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله كان هذا مسلما، وإن رجع عن هذا ضرب عنقه، لأن هذا هو الدليل على الاسلام ".
مطلب: في بيان المراد من قوله عليه السلام: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " قال أبو بكر: لم يجعل اليهودي مسلما بقوله: " أنا مسلم أو مؤمن "، لأنهم كذلك يقولون، ويقولون الإيمان والإسلام هو ما نحن عليه، فليس في هذا القول دليل على إسلامه، وليس اليهودي والنصراني بمنزلة المشركين الذين كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم