أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٠٣
فيه الكفارة ولم يوجب الدية، وغير جائز أن يزاد في النص إلا بنص مثله، إذ كانت الزيادة في النص توجب النسخ.
فإن قيل: هلا أوجبت الدية بقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله)! قيل له: غير جائز أن يكون هذا المؤمن مرادا بالمؤمن المذكور في أول الآية، لأن فيها إيجاب الدية والرقبة، فيمتنع أن نعطفه عليه ونشرط كونه من أهل دار الحرب ونوجب فيه الرقبة وهو قد أوجبها بديا مع الدية في ابتداء الخطاب. وأيضا فإن قوله: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن) استيناف كلام لم يتقدم له ذكر في الخطاب، لأنه لا يجوز أن يقال: " أعط هذا رجلا وإن كان رجلا فأعطه " هذا كلام فاسد لا يتكلم به حكيم، فثبت أن هذا المؤمن المعطوف على الأول غير داخل في أول الخطاب.
ويدل عليه من جهة السنة ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا هناد بم السري قال: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل، وقال: " أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: " لا تراءى ناراهما ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن علي بن شعيب قال: حدثنا ابن عائشة قال:
حدثنا حماد بن سلمة عن الحجاج عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة " أو قال: " لا ذمة له "، قال ابن عائشة: هو الرجل يسلم فيقيم معهم فيغزون، فإن أصيب فلا دية له لقوله عليه السلام:
" فقد برئت منه الذمة ". وقوله: " أنا برئ منه " يدل على أن لا قيمة لدمه كأهل الحرب الذين لا ذمة لهم، ولما أمر لهم بنصف العقل في الحديث الأول كان ذلك على أحد وجهين: إما أن يكون الموضع الذي قتل فيه كان مشكوكا في أنه من دار الحرب أو من دار الاسلام، أو أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تبرع به، لأنه لو كان جميعه واجبا لما اقتصر على نصفه.
وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا شيبان قال:
حدثنا سليمان - يعني ابن المغيرة - قال: حدثنا حميد بن هلال قال: أتاني أبو العالية وصاحب لي، فانطلقنا حتى أتينا بشر بن عاصم الليثي، فقال أبو العالية: حدث هذين!
فقال بشر: حدثني عقبة بن مالك الليثي - وكان من رهطه - قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم، فشذ رجل من القوم واتبعه رجل من السرية ومعه السيف
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»