أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٠٣
ويكون للأبوين لكل واحد السدس بنص التنزيل، ويبقى السدس يستحقه الأب بالتعصيب، فاجتمع ههنا للأب الاستحقاق بالتسمية وبالتعصيب جميعا، وإن كان الولد ذكرا فللأبوين السدسان بحكم النص، والباقي للابن لأنه أقرب تعصيبا من الأب. وقال تعالى: (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) فأثبت الميراث للأبوين بعموم اللفظ ثم فصل نصيب الأم وبين مقداره بقوله: (فلأمه الثلث) ولم يذكر نصيب الأب فاقتضى ظاهر اللفظ للأب الثلثين إذ ليس هناك مستحق غيره وقد أثبت الميراث لهما بديا. وقد كان ظاهر اللفظ يقتضي المساواة لو اقتصر على قوله تعالى: (وورثه أبواه) دون تفصيل نصيب الأم، فلما قصر نصيب الأم على الثلث علم أن المستحق للأب الثلثان.
قوله تعالى: (فإن كان له إخوة فلأمه السدس). قال علي وعبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وسائر أهل العلم: " إذا ترك أخوين وأبوين فلأمه السدس وما بقي فلأبيه "، وحجبوا الأم عن الثلث إلى السدس كحجبهم لها بثلاثة إخوة. وقال ابن عباس: " للأم الثلث "، وكان لا يحجبها إلا بثلاثة من الإخوة والأخوات. وروى معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: " إذا ترك أبوين وثلاثة إخوة فللأم السدس وللإخوة السدس الذي حجبوا الأم عنه وما بقي فللأب ". وروي عنه:
" أنه إن كان الإخوة من قبل الأم فالسدس لهم خاصة، وإن كانوا من قبل الأب والأم أو من قبل الأب لم يكن لهم شئ وكان ما بعد السدس للأب ". والحجة للقول الأول أن اسم الإخوة قد يقع على الاثنين كما قال تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4] وهما قلبان، وقال تعالى: (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) [ص: 12]، ثم قال تعالى: (خصمان بغى بعضنا على بعض) [ص: 22]، فأطلق لفظ الجمع على اثنين، وقال تعالى: (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين)، فلو كان أخا وأختا كان حكم الآية جاريا فيهما. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اثنان فما فوقهما جماعة "، ولأن الاثنين إلى الثلاثة في حكم الجمع أقرب منهما إلى الواحد، لأن لفظ الجمع موجود فيهما نحو قولك: " قاما وقعدا وقاموا وقعدوا " كل ذلك جائز في الاثنين والثلاثة ولا يجوز مثله في الواحد، فلما كان الاثنان في حكم اللفظ أقرب إلى الثلاثة منهما إلى الواحد وجب إلحاقهما بالثلاثة دون الواحد. وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه، أنه كان يحجب الأم
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»