أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٩٢
عبد الرحمن وعبيدة وأبي موسى في ذلك فجائز أن يكون الورثة كانوا كبارا، فذبح الشاة من جملة المال بإذنهم، وما روي في هذا الحديث أن عبيدة قسم ميراث أيتام فذبح شاة، فإن هذا على أنهم كانوا يتامى فكبروا، لأنهم لو كانوا صغارا لم تصح مقاسمتهم. ويدل على أنه ندب ما روى عطاء عن سعيد بن جبير: أن الوصي يقول لهؤلاء الحاضرين من أولي القربى وغيرهم: إن هؤلاء الورثة صغار، ويعتذرون إليهم بمثله، ولو كانوا مستحقين له على الإيجاب لوجب إعطاؤهم صغارا كان الورثة أو كبارا. وأيضا فإن الله تعالى قد قسم المواريث بين الورثة وبين نصيب كل واحد منهم في آية المواريث ولم يجعل فيها لهؤلاء شيئا، وما كان ملكا لغيره فغير جائز إزالته إلى غيره إلا بالوجوه التي حكم الله بإزالته بها لقوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) [النساء: 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دماؤكم وأموالكم عليكم حرام "، وقال: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه "، وهذا كله يوجب أن يكون إعطاء هؤلاء الحاضرين عند القسمة استحبابا لا إيجابا.
وأما قوله تعالى: (وقولوا لهم قولا معروفا)، فقد روي عن ابن عباس أنه إذا كان في المال تقصير اعتذر إليهم. وعن سعيد بن جبير قال: " يعطي الميراث أهله - وهو معنى قوله تعالى: (فارزقوهم منه) في هذه الرواية - ويقول لمن لا يرث: إن هذا المال لقوم غيب ولأيتام صغار ولكم فيه حق ولسنا نملك أن نعطي منه شيئا ". فمعناه عنده ضرب من الاعتذار إليهم. وقال بعض أهل العلم: إذا أعطوهم عند القسمة شيئا لا يمن عليهم ولا ينتهرهم ولا يسئ اللفظ فيما يخاطبهم به، لقوله تعالى: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) [البقرة: 263]، وقوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر) [الضحى: 9. 10].
قوله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) الآية.
اختلف السلف في تأويله، فروي عن ابن عباس رواية وعن سعيد بن جبير والحسن ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي قالوا: " هو الرجل يحضره الموت فيقول له من يحضره اتق الله أعطهم صلهم برهم، ولو كانوا هم الذين يوصون لأحبوا أن يبقوا لأولادهم "، قال حبيب بن أبي ثابت: فسألت مقسما عن ذلك، فقال: لا، ولكنه الرجل يحضره الموت فيقول له من يحضره اتق الله وأمسك عليك مالك، ولو كانوا ذوي قرابته لأحبوا أن يوصي لهم. فتأوله الأولون على نهي الحاضرين عن الحض على الوصية، وتأوله مقسم على نهي من يأمره بتركها. وقال الحسن في رواية أخرى: " هو الرجل يكون عند الميت فيقول أوص بأكثر من الثلث من مالك ". وعن ابن عباس رواية أخرى أنه قال
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»