في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم) [الأنفال: 75]. وروى ابن جريج عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان المهاجرون والأنصار يرث الرجل الرجل الذي آخى بينه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أخيه، فلما نزلت هذه الآية: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) [النساء: 33] نسخت، ثم قال تعالى: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) [النساء: 33] من النصر والرفادة ". فذكر ابن عباس في هذا الحديث أن قوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم) [النساء: 33] أريد به معاقدة الأخوة التي آخى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم. وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى: (مالكم من ولايتهم من شئ) [الأنفال: 72] أن المسلمين كانوا يتوارثون بالهجرة والإسلام، فكان الرجل يسلم ولا يهاجر فلا يرث أخاه، فنسخ الله تعالى ذلك بقوله: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) [الأنفال: 75]. وروى جعفر بن سليمان عن الحسن قال: كان الأعربي المسلم لا يرث من المهاجر شيئا وإن كان ذا قربى ليحثهم بذلك على الهجرة، فلما كثر المسلمون أنزل الله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) [الأنفال: 75]. فنسخت هذه الآية تلك، (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) [الأحزاب: 6]، فرخص الله للمسلم أن يوصي لقرابته من اليهود والنصارى والمجوس من الثلث وما دونه، (كان ذلك في الكتاب مسطورا) [الأحزاب: 6] قال: مكتوبا.
فجملة ما حصل عليه التوارث بالأسباب في أول الاسلام التبني والحلف والهجرة والمؤاخاة التي آخى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ الميراث بالتبني والهجرة والمؤاخاة، وأما الحلف فقد بينا أنه جعلت القرابة أولى منه ولم ينسخ إذا لم تكن قرابة، وجائز أن يجعل له جميع ماله أو بعضه. ومن الأسباب التي عقد بها التوارث في الاسلام ولاء العتاقة والزوجية وولاء الموالاة، وهو عندنا يجري مجرى الحلف، وإنما يثبت حكمه إذا لم يكن وارث من ذي رحم أو عصبة. فجميع ما انعقدت عليه مواريث الاسلام السبب والنسب، والسبب كان على أنحاء مختلفة منها المعاقدة بالحلف والتبني والأخوة التي آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والهجرة والزوجية وولاء العتاقة وولاء الموالاة، فأما إيجاب الميراث بالحلف والتبني والأخوة التي آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمنسوخ مع وجود العصبات وذوي الأرحام، وولاء العتاقة والموالاة والزوجية هي أسباب ثابتة يستحق بها الميراث على الترتيب المشروط لذلك، وأما النسب الذي يستحق به الميراث فينقسم إلى أنحاء ثلاثة: ذوو السهام والعصبات وذوو الأرحام، وسنبين ذلك في موضعه.
فأما الآيات الموجبة لميراث ذوي الأنساب من ذوي السهام والعصبات وذوي