أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٠٤
بالأخوين، فقالوا له: يا أبا سعيد إن الله تعالى: (فإن كان له إخوة) وأنت تحجبها بالأخوين! فقال: إن العرب تسمي الأخوين إخوة. فإذا كان زيد بن ثابت قد حكى عن العرب أنها تسمي الأخوين إخوة، فقد ثبت أن ذلك اسم لهما فيتناولهما اللفظ. وأيضا قد ثبت أن حكم الأختين حكم الثلاث في استحقاق الثلثين بنص التنزيل في قوله تعالى:
(وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك)، وكذلك حكم الأختين من الأم حكم الثلاث في استحقاق الثلث دون حكم الواحدة، فوجب أن يكون حكمهما حكم الثلاث في حجب الأم عن الثلث إلى السدس، إذ كان حكم كل واحد من ذلك حكما متعلقا بالجمع، فاستوى فيه حكم الاثنين والثلاث. وروي عن قتادة أنه قال: " إنما يحجب الإخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب لأنه يقوم بنكاحهم والنفقة عليهم دون الأم ". وهذه العلة إنما هي مقصورة على الإخوة من الأب والأم والإخوة من الأب، فأما الإخوة من الأم فليس إلى الأب شئ من أمرهم وهم يحجبون أيضا كما يحجب الإخوة من الأب والأم، ولا خلاف بين الصحابة في ثلاثة إخوة وأبوين أن للأم السدس وما بقي فللأب، إلا شيئا يروى عن ابن عباس. وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: " أن للأم السدس وللإخوة السدس الذي حجبوا الأم عنه وما بقي فللأب، وكان لا يحجب بمن لا يرث، فلما حجب الأم بالإخوة ورثهم ". وهو قول شاذ وظاهر القرآن خلافه، لأنه تعالى قال: (وورثه أبواه فلأمه الثلث) ثم قال تعالى: (فإن كان له إخوة، فلأمه السدس) عطفا على قوله تعالى: (وورثه أبواه)، تقديره: وورثه أبواه وله إخوة، وذلك يمنع أن يكون للإخوة شئ.
قوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين). الدين مؤخر في اللفظ وهو مبتدأ به في المعنى على الوصية، لأن " أو " لا توجب الترتيب وإنما هي لأحد شيئين، فكأنه قيل: من بعد أحد هذين. وقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: " ذكر الله الوصية قبل الدين وهي بعده " يعني أنها مقدمة في اللفظ مؤخرة في المعنى.
قوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) الآية. هذا نص متفق على تأويله كاتفاقهم تنزيله، وأن الولد الذكر والأنثى في ذلك سواء يحجب الزوج عن النصف إلى الربع والزوجة من الربع إلى الثمن إذا كان الولد من أهل الميراث. ولم يختلفوا أيضا أن ولد الابن بمنزلة ولد الصلب في حجب الزوج والمرأة عن النصيب الأكثر إلى الأقل إذا لم يكن ولد الصلب.
قوله تعالى: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله).
قيل إن معناه: لا تعلمون أيهم أقرب لكم نفعا في الدين والدنيا والله يعلمه فاقسموه على
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»