" إنما أنزل الله تعالى ذلك في الذين كانوا يتبنون رجالا ويورثونهم، فأنزل الله تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيب من الوصية ورد الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة، وأبى الله أن يجعل للمدعين ميراثا ممن ادعاهم، ولكن جعل لهم نصيبا من الوصية، فكان ما تعاقدوا عليه في الميراث الذي رد عليه أمرهم ".
قال أبو بكر: وجائز أن يكون المراد بقوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) [النساء: 33] منتظما للحلف والتبني جميعا، إذ كل واحد منهما يثبت بالعقد، فهذا الذي ذكرنا كان من مواريث الجاهلية وبقي في الاسلام بعضها بالإقرار عليه إلى أن نقلوا عنه، وبعضه بنص ورد في إثباته إلى أن ورد ما أوجب نقله.
وأما مواريث الاسلام فإنها معقودة بشيئين: أحدهما نسب، والآخر سبب ليس بنسب، فأما المستحق بالنسب فما نص الله تعالى عليه في كتابه وبين رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه وأجمعت الأمة على بعضه وقامت الدلالة على بعض، وأما السبب الذي ورث به في الاسلام فبعضه ثابت وبعضه منسوخ الحكم. فمن الأسباب التي ورث بها في الاسلام ما ذكرنا في عقد المحالفة وميراث الأدعياء، وقد ذكرنا حكمه ونسخ ما روي نسخه وأن ذلك عندنا ليس بنسخ وإنما جعل وارث أولى من وارث.
وكان من الأسباب التي أوجب الله تعالى به الميراث الهجرة، حدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) [الأنفال: 72] قال: " كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن، ولا يرث الأعرابي المهاجر، فنسختها: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) [الأنفال:
75] ". وقال بعضهم: " نسخها قوله تعالى: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) [النساء: 33]، وكانوا يتوارثون بالأخوة التي آخى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ".
وروى هشام بن عروة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير بن العوام وبين كعب بن مالك، فارتث كعب يوم أحد، فجاء به الزبير يقوده بزمام راحلته، ولو مات كعب عن الضح والريح لورثه الزبير، حتى أنزل الله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض