أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٠١
نصيب البنتين والمرأة إليهن، وهذا يدل على أن العم لم يأخذ الميراث بديا من جهة التوقيف بل على عادة أهل الجاهلية في المواريث، لأنه لو كان كذلك لكان إنما يستأنف فيما يحدث بعد نزول الآية وما قد مضى على حكم منصوص متقدم لا يعترض عليه بالنسخ، فدل على أنه أخذه على حكم الجاهلية التي لم ينقلوا عنها. وروى سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: مرضت فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فأتاني وقد أغمي على، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رش علي من وضوئه فأفقت فقلت: يا رسول الله كيف تقضي في مالي؟ فلم يجبني بشئ حتى نزلت آية المواريث:
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).
قال أبو بكر: ذكر في الحديث الأول قصة المرأة مع بنتيها وذكر في هذا الحديث أن جابرا سأله عن ذلك، وجائز أن يكون الأمران جميعا قد كانا، سألته المرأة فلم يجبها منتظرا للوحي ثم سأله جابر في حال مرضه فنزلت الآية وهي ثابتة الحكم مثبتة للنصيب المفروض في قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) الآية.
ولم يختلف أهل العلم في أن المراد بقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) أولاد الصلب، وأن ولد الولد غير داخل مع ولد الصلب، وأنه إذا لم يكن ولد الصلب فالمراد أولاد البنين دون أولاد البنات، فقد انتظم اللفظ أولاد الصلب وأولاد الابن إذا لم يكن ولد الصلب، وهذا يدل على صحة قول أصحابنا فيمن أوصى لولد فلان أنه لولده لصلبه، فإن لم يكن له ولد لصلبه فهو لولد ابنه.
وقوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين) قد أفاد أنه إن كان ذكرا وأنثى فللذكر سهمان وللأنثى سهم، وأفاد أيضا أنهم إذا كانوا جماعة ذكورا وإناثا أن لكل ذكر سهمين ولكل أنثى سهما، وأفاد أيضا أنه إذا كان مع الأولاد ذوو سهام نحو الأبوين والزوج والزوجة أنهم متى أخذوا سهامهم كان الباقي بعد السهام بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك لأن قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين) اسم للجنس يشتمل على القليل والكثير منهم، فمتى ما أخذ ذوو السهام سهامهم كان الباقي بينهم على ما كانوا يستحقونه لو لم يكن ذو سهم.
وقوله عز وجل: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف)، فنص على نصيب ما فوق الابنتين وعلى الواحدة ولم ينص على فرض الابنتين، لأن في فحوى الآية دلالة على بيان فرضهما، وذلك لأنه قد أوجب للبنت الواحدة مع الابن الثلث، وإذا كان لها مع الذكر الثلث كانت بأخذ الثلث مع الأنثى أولى، وقد احتجنا إلى بيان حكم ما فوقهما، فلذلك نص على حكمه. وأيضا لما قال الله
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»