أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٠٥
ما بينه، إذ هو عالم بالمصالح. وقيل إن معناه: آباؤكم وأبناؤكم متقاربون في النفع حتى لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا، إذ كنتم تنتفعون بآبائكم في حال الصغر وتنتفعون بأبنائكم عند الكبر، ففرض ذلك في أموالكم للآباء والأبناء علما منه بمصالح الجميع. وقيل: لا يدري أحدكم أهو أقرب وفاة فينتفع ولده بماله، أم الولد أقرب وفاة فينتفع الأب والأم بماله، ففرض في مواريثكم ما فرض علما منه وحكما.
وقد اختلف السلف في الحجب بمن لا يرث، وهو أن يخلف الحر المسلم أبوين حرين مسلمين وأخوين كافرين أو مملوكين أو قاتلين، فقال علي وعمر وزيد: " للأم الثلث وما بقي فللأب، وكذلك المسلمة إذا تركت زواجا وابنا كافرا أو مملوكا أو قاتلا، أو الرجل ترك امرأة وابنا كذلك أنهم لا يحجبون الزوج ولا المرأة عن نصيبهما الأكثر إلى الأقل "، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ومالك والثوري والشافعي. وقال عبد الله بن مسعود: " يحجبون وإن لم يرثوا ". وقال الأوزاعي والحسن بن صالح:
" المملوك والكافر لا يرثان ولا يحجبان والقاتل لا يرث ويحجب ".
قال أبو بكر: لا خلاف أن الأب الكافر لا يحجب ابنه من ميراث جده وأنه بمنزلة الميت، فكذلك في حكم حجب الأم والزوج والزوجة. واحتج من حجب بظاهر قوله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد). ولم يفرق بين الكافر والمسلم. فيقال له: فلم حجبت به الأم دون الأب والله تعالى إنما حجبهما جميعا بالولد بقوله تعالى: (لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد)؟ فإن جاز أن لا يحجب الأب وجعلت قوله تعالى: (إن كان له ولد) على ولد يجوز الميراث، فكذلك حكمه في الأم.
قوله تعالى: (ولهن الربع مما تركتم) إلى قوله تعالى: (فلهن الثمن مما تركتم). قد دل على أنهن إذا كن أربعا يشتركن في الثمن. وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.
وقد اختلف السلف في ميراث الأبوين مع الزوج والزوجة، فقال على وعمر وعبد الله بن مسعود وعثمان وزيد: " للزوجة الربع وللأم ثلث ما بقي وما بقي فللأب، وللزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وما بقي فللأب ". وقال ابن عباس: " للزوج والزوجة ميراثهما وللأم الثلث كاملا وما بقي فللأب " وقال: " لا أجد في كتاب الله تعالى ثلث ما بقي ". وعن ابن سيرين مثل قول ابن عباس، وروي أنه تابعه في المرأة والأبوين وخالفه في الزوج والأبوين، لتفضيله الأم على الأب. والصحابة ومن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار على القول الأول، إلا ما حكينا عن ابن عباس وابن سيرين، وظاهر القرآن يدل
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»