أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٠٢
تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين) فلو ترك ابنا وبنتا كان للابن سهمان ثلثا المال وهو حظ الأنثيين، فدل ذلك على أن نصيب الابنتين الثلثان لأن الله تعالى جعل نصيب الابن مثل نصيب البنتين وهو الثلثان. ويدل على أن للبنتين الثلثين أن الله تعالى أجرى الإخوة والأخوات مجرى البنات وأجرى الأخت الواحدة مجرى البنت الواحدة، فقال تعالى:
(إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) [النساء: 176]، ثم قال:
(فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) [النساء: 176] فجعل حظ الأختين كحظ ما فوقهما وهو الثلثان كما جعل حظ الأخت كحظ البنت، وأوجب لهم إذا كانوا ذكورا وإناثا للذكر مثل حظ الأنثيين، فوجب أن تكون الابنتان كالأختين في استحقاق الثلثين لمساواتهما لهما في إيجاب المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين إذا لم يكن غيرهم، كما في مساواة الأخت للبنت إذا لم يكن غيرها في استحقاق النصف بالتسمية. وأيضا البنتان أولى بذلك، إذ كانتا أقرب إلى الميت من الأختين، وإذا كانت الأخت بمنزلة البنت فكذلك البنتان في استحقاق الثلثين، ويدل على ذلك حديث جابر في قصة المرأة التي أعطى النبي صلى الله عليه وسلم فيها البنتين الثلثين والمرأة الثمن والعم ما بقي، ولم يخالف في ذلك أحد إلا شيئا روي عن ابن عباس أنه جعل للبنتين النصف كنصيب الواحدة واحتج بقوله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك)، وليس في ذلك دليل على أن للابنتين النصف وإنما فيه نص على أن ما فوق ابنتين فلهن الثلثان، فإن كان القائل بأن للابنتين الثلثين مخالفا للآية فإن الله تعالى قد جعل للابنة النصف إذا كانت وحدها، وأنت جعلت للابنتين النصف وذلك خلاف الآية، فإن لم تلزمه مخالفة الآية حين جعل للابنتين النصف وإن كان الله قد جعل للواحدة النصف فكذلك لا تلزم مخالفيه مخالفة الآية في جعلهم للابنتين الثلثين، لأن الله تعالى لم ينف بقوله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) أن يكون للابنتين الثلثان وإنما نص على حكم ما فوقهما، وقد دل على حكمهما في فحوى الآية على النحو الذي بينا وما ذكرناه من دلالة حكم الأختين على حكم الابنتين على ما ذكرنا. وقد قيل إن قوله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين) أن ذكر " فوق " ههنا صلة للكلام، كقوله تعالى: (فاضربوا فوق الأعناق) [الأنفال: 12].
قوله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) يوجب ظاهره أن يكون لكل واحد منهما السدس مع الولد ذكرا كان الولد أو أنثى، لأن اسم الولد ينتظمهما، إلا أنه لا خلاف إذا كان الولد بنتا لا تستحق أكثر من النصف لقوله تعالى: (وإن كانت واحدة فلها النصف)، فوجب أن تعطى النصف بحكم النص،
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»