أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٠٠
الأرحام، فقوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون)، وقوله تعالى: (وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان) [النساء: 127]، نسخ بهما في رواية عن ابن عباس وغيره من السلف ما كان عليه الأمر في توريث الرجال المقاتلة دون الذكور الصغار والإناث.
وقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) فيه بيان للنصيب المفروض في قوله تعالى: (للرجال نصيب) إلى قوله تعالى: (نصيبا مفروضا)، والنصيب المفروض هو الذي بين مقداره في قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم). وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) [البقرة: 180] فقال: (قد نسخ هذا قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) ". وقال مجاهد: " كان الميراث للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسخ الله تعالى من ذلك ما أحب، فجعل للولد الذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل لكل واحد من الأبوين السدس مع الولد ". قال ابن عباس: وقد كان الرجل إذا مات وخلف زوجته اعتدت سنة كاملة في بيته ينفق عليها من تركته، وهو قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج) [البقرة:
240]، ثم نسخ ذلك بالربع أو الثمن. وقوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) [الأنفال: 75] نسخ به التوارث بالحلف وبالهجرة وبالتبني على النحو الذي بينا، وكذلك قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) هي آية محكمة غير منسوخة، وهي موجبة لنسخ الميراث بهذه الأسباب التي ذكرنا، لأنه جعل الميراث للمسلمين فيها، فلا يبقى لأهل هذه الأسباب شئ، وذلك موجب لسقوط حقوقهم في هذه الحال.
وروى محمد بن عبد الله بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة من الأنصار ببنتين لها فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد ولم يدع لهما عمهما مالا إلا أخذه، فما ترى يا رسول الله؟ فوالله لا تنكحان أبدا إلا ولهما مال! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقضي الله في ذلك "، فنزلت سورة النساء: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: " ادع إلى المرأة وصاحبها "! فقال لعمهما:
" أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك ". قال أبو بكر: قد حوى هذا الخبر معاني: منها أن العم قد كان يستحق الميراث دون البنتين على عادة أهل الجاهلية في توريث المقاتلة دون النساء والصبيان، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حين سألته المرأة بل أقر الأمر على ما كان عليه وقال لها: " يقضي الله في ذلك "، ثم لما نزلت الآية أمر العم بدفع
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»