وتعليق الالهام على عنواني فجور النفس وتقواها للدلالة على أن المراد تعريفه تعالى للانسان صفة فعله من تقوى أو فجور وراء تعريفه متن الفعل بعنوانه الأولي المشترك بين التقوى والفجور كأكل المال مثلا المشترك بين أكل مال اليتيم الذي هو فجور وبين أكل مال نفسه الذي هو من التقوى، والمباشرة المشتركه بين الزنا وهو فجور والنكاح وهو من التقوى وبالجملة المراد أنه تعالى عرف الانسان كون ما يأتي به من فعل فجورا أو تقوى وميز له ما هو تقوى مما هو فجور.
وتفريع الالهام على التسوية في قوله: " وما سواها فألهمها " الخ للإشارة إلى أن إلهام الفجور والتقوى وهو العقل العملي من تكميل تسوية النفس فهو من نعوت خلقتها كما قال تعالى: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " الروم: 30.
وإضافة الفجور والتقوى إلى ضمير النفس للإشارة إلى أن المراد بالفجور والتقوى الملهمين الفجور والتقوى المختصين بهذه النفس المذكورة وهي النفس الانسانية ونفوس الجن على ما يظهر من الكتاب العزيز من كونهم مكلفين بالايمان والعمل الصالح.
قوله تعالى: " قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " الفلاح هو الظفر بالمطلوب وإدراك البغية، والخيبة خلافه، والزكاة نمو النبات نموا صالحا ذا بركة والتزكية إنماؤه كذلك، والتدسي - وهو من الدس بقلب إحدى السينين ياء - إدخال الشئ في الشئ بضرب من الاخفاء، والمراد بها بقرينة مقابلة التزكية: الانماء على غير ما يقتضيه طبعها وركبت عليه نفسها.
والآية أعني قوله: " قد أفلح " الخ جواب القسم، وقوله: " وقد خاب " الخ معطوف عليه.
والتعبير بالتزكية والتدسي عن إصلاح النفس وافسادها مبتن على ما يدل عليه قوله:
" فألهمها فجورها وتقواها " على أن من كمال النفس الانسانية أنها ملهمة مميزة - بحسب فطرتها - للفجور من التقوى أي أن الدين وهو الاسلام لله فيما يريده فطري للنفس فتحلية النفس بالتقوى تزكية وانماء صالح وتزويد لها بما يمدها في بقائها قال تعالى:
" وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولي الألباب " البقرة: 197 وأمرها في الفجور على خلاف التقوى.