تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٣٤
قوله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " ردع عما قاله المكذبون:
" أساطير الأولين " قال الراغب: الرين صدأ يعلو الشئ الجليل (1) قال تعالى: " بل ران على قلوبهم " أي صار ذلك كصدء على جلاء قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر، انتهى. فكون ما كانوا يكسبون وهو الذنوب رينا على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم وبين أن يدركوا الحق على ما هو عليه.
ويظهر من الآية:
أولا: أن للأعمال السيئة نقوشا وصورا في النفس تنتقش وتتصور بها.
وثانيا: أن هذه النقوش والصور تمنع النفس أن تدرك الحق كما هو وتحول بينها وبينه.
وثالثا: أن للنفس بحسب طبعها الأولي صفاء وجلاء تدرك به الحق كما هو وتميز بينه وبين الباطل وتفرق بين التقوى والفجور قال تعالى: " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " الشمس: 8.
قوله تعالى: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " ردع عن كسب الذنوب الحائلة بين القلب وإدراك الحق، والمراد بكونهم محجوبين عن ربهم يوم القيامة حرمانهم من كرامة القرب والمنزلة ولعله مراد من قال: إن المراد كونهم محجوبين عن رحمة ربهم.
وأما ارتفاع الحجاب بمعنى سقوط الأسباب المتوسطة بينه تعالى وبين خلقه والمعرفة التامة به تعالى فهو حاصل لكل أحد قال تعالى: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " المؤمن: 16 وقال: " ويعلمون أن الله هو الحق المبين " النور: 25.
قوله تعالى: " ثم إنهم لصالوا الجحيم " أي داخلون فيها ملازمون لها أو مقاسون حرها على ما فسره بعضهم و " ثم " في الآية وما بعدها للتراخي بحسب رتبة الكلام.
قوله تعالى: " ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون " هو توبيخ وتقريع والقائل خزنة النار أو أهل الجنة.
قوله تعالى: " كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم " ردع في معنى الردع الذي في قوله: " كلا إن كتاب الفجار " وعليون - كما تقدم - علو على علو مضاعف، وينطبق على الدرجات العالية ومنازل القرب من الله تعالى كما أن السجين بخلافه.

(1) الجلي ظ.
(٢٣٤)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الكسب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست